هل تقبل حماس الخروج من المشهد في غزة؟

كتبت: هدير البحيري
استضافت مدينة شرم الشيخ المصرية جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة بين وفد إسرائيلي وآخر من حركة حماس برئاسة خليل الحية، في إطار الضغوط الأمريكية الرامية لإبرام اتفاق ينهي الحرب على قطاع غزة التي تدخل عامها الثالث.
وتناولت المحادثات ترتيبات أمنية وميدانية دقيقة، تهدف إلى تمكين عملية تبادل الأسرى الفلسطينيين والرهائن الإسرائيليين وفق خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي تتضمن الإفراج عن جميع الرهائن الأحياء والأموات خلال 72 ساعة، مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين، إضافة إلى آليات وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق محددة ضمن المرحلة الأولى من الخطة.
وأعلن ترامب عن إحراز “تقدم هائل” في مفاوضات إنهاء الحرب على غزة، مشيرًا إلى موافقة حركة “حماس” على أمور بالغة الأهمية، بعد محادثات غير مباشرة في شرم الشيخ بوساطة أمريكية مصرية قطرية.
ولفت ترامب إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبدى موقفًا إيجابيًا، مؤكدًا أن جميع الأطراف المعنية تسعى لتحقيق الاتفاق، متوقعًا التوصل إلى صفقة قد تؤدي إلى سلام دائم يشمل غزة والشرق الأوسط.
وفي سياق متصل، قال ترامب إنه أجرى اتصالًا هاتفيًا مع الملك الأردني عبد الله الثاني، لمناقشة أبرز التطورات المتعلقة بالخطة الأمريكية لإنهاء الحرب على غزة.
وأكد الملك عبد الله على ضرورة وقف فوري لإطلاق النار في غزة وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، مشددًا على أهمية إعادة الاستقرار في المنطقة وتجنب أي خطوات قد تقوض فرص إحلال السلام، محذرًا في الوقت نفسه من مخاطر التصعيد في الضفة الغربية والقدس، وفقًا لبيان الديوان الملكي الأردني.
تؤكد رمزية شرم الشيخ التاريخية، التي شهدت سابقًا قممًا مهمة أبرزها القمة الرباعية عام 2005، قدرة مصر على لعب دور قيادي في الوساطة الدولية.
وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعم بلاده لخطة ترامب، مؤكدًا أن وقف إطلاق النار، وإعادة الأسرى، وإعمار غزة، وبدء مسار سياسي يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق مرجعيات الشرعية الدولية، يمثل الطريق نحو السلام الدائم والاستقرار الإقليمي، محذرًا من أن السلام المفروض بالقوة لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان.
ذكرت الإذاعة العبرية أن المحادثات لا تقتصر على القضايا الأمنية فحسب، بل تتناول أيضًا مستقبل إدارة قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار، بما في ذلك إمكانية تشكيل قوة دولية مؤقتة لتثبيت الاستقرار والإشراف على إعادة الإعمار.
وأشارت القناة 13 العبرية إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شدد على الوفد المفاوض بعدم التهاون أو إظهار أي مرونة في بنود خطة ترامب في هذه المرحلة، مع توقع أن تكون الأيام المقبلة حاسمة في تحديد مسار التفاوض.
وفي المقابل، تؤكد حركة حماس على ضرورة وجود ضمانات ورقابية فعالة لضمان التزام إسرائيل بأي اتفاق محتمل، خصوصًا ما يتعلق بوقف العمليات العسكرية وانسحاب القوات من القطاع.
في هذا السياق، قال المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور نعمان توفيق العابد، في حديث خاص لـ”داي نيوز”، أن الانقسام الفلسطيني المستمر منذ عام 2007 أسهم بشكل كبير في تقويض الوحدة الوطنية وتضرر صورة النضال الفلسطيني دوليًا.
وأشار العابد إلى أن “من غير المنطقي أن نستمر في النضال من أجل الحرية وإقامة الدولة الفلسطينية في ظل انقسام بين شطري الوطن”، موضحًا أن هذا الانقسام كان “معيبًا وغير مبرر”، رغم الجهود المصرية والعربية الحثيثة لاحتوائه عبر استضافة حوارات فلسطينية متعددة، إلا أن كل هذه المساعي لم تُفضِ إلى نتائج ملموسة.

وأوضح أن حكومة الاحتلال، وتحديدًا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، استغل حالة الانقسام لتكريسها وتشجيع استمرارها، لأنه يدرك أن “في ظل هذا الانقسام لا يمكن قيام دولة فلسطينية مستقلة”.
وأشار العابد إلى أن التطورات الأخيرة — سواء في الداخل الفلسطيني بعد عامين من الحرب والإبادة الجماعية، أو في الإقليم والعالم — جعلت أطراف عدة ترى أن “الحل الأنسب هو تخلي حركة حماس عن الحكم في قطاع غزة، وعودة القطاع والضفة ليشكلا وحدة سياسية وجغرافية واحدة”.
أكد العابد أن حماس استجابت جزئيًا لهذه الضغوط، ووافقت على تشكيل لجنة تكنوقراط فلسطينية بالتوافق مع الموقفين العربي والإسلامي، كما تناولت القمم العربية والإسلامية هذا الإطار، لكنه استدرك قائلًا: “لا أعتقد أن حماس ستخرج تمامًا من المشهد السياسي الفلسطيني، فهي تملك قاعدة جماهيرية واسعة ومؤيدين كُثر يتبنون فكرها وموقفها السياسي”.
ويرى العابد أن على حركة حماس أن تتحول إلى حزب سياسي فلسطيني يلتزم بميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والمعترف بها دوليًا، مؤكدًا أن “الاعترافات الدولية لا يمكن أن تُمنح إلا لمنظمة التحرير، وليس لأي فصيل آخر”.
وفيما يتعلق بملف السلاح، وصف العابد الوضع بأنه “شديد الحساسية”، موضحًا أن “ليس حماس وحدها من تمتلك السلاح، فجميع الفصائل الفلسطينية تحتفظ بأسلحة بدرجات متفاوتة”، معتبرًا أن التركيز على سلاح حماس مرتبط بمسؤوليتها عن حكم القطاع.
واختتم العابد حديثه قائلًا: “لا يمكن مطالبة شعب واقع تحت الاحتلال بتسليم سلاحه قبل إنهاء الاحتلال”، مشيرًا إلى إمكانية التوافق على تسليم الأسلحة الهجومية مثل الصواريخ إلى لجنة تكنوقراط أو لجنة عربية إسلامية، بينما تبقى الأسلحة الدفاعية والخفيفة بحوزة الفصائل حتى قيام دولة فلسطينية موحدة تمتلك أجهزة أمنية وجيشًا وطنيًا يتولى مسؤولية الأمن الكامل في غزة والضفة الغربية.
وفي الإطار ذاته، أكد المحلل السياسي والخبير في الشؤون العربية، طلعت طه، في حديث خاص لـ”داي نيوز” أن الواقع الراهن يفرض أن تمثل السلطة الفلسطينية الحكم الشرعي لكامل الأراضي الفلسطينية، وليس قطاع غزة فقط، مشيرًا إلى أن حركة حماس كانت قد انفردت بإدارة القطاع خارج إطار السلطة الفلسطينية.
وأضاف طه أن إسرائيل، بدعم أمريكي يشمل جهودًا عسكرية ودبلوماسية وفرض شروط، ترى أن استمرار حكم حماس يشكل عقبة أمام أي هدوء أو استقرار في الدولة الفلسطينية، وأنه لا يمكن السماح بعودة السلام في الأراضي الفلسطينية في ظل الانقسام، مشددًا على أن من يسعى لمصلحة الوطن يستطيع التنازل عن أي مكاسب سياسية ضيقة.

وقال طه إن حركة حماس سبق وأعلنت استعدادها للتنازل عن حكم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية في فترات متفرقة، بما في ذلك قبل عام، وستة أشهر، وثلاثة أشهر، مع التأكيد على أهمية استكمال المفاوضات في القاهرة لإرساء ترتيبات واضحة.
وأوضح أن إسرائيل أرسلت وفد تقني، أي لفحص الشروط والمواقف التي ستوافق عليها حماس، والضغط عليها لقبول آليات وقف إطلاق النار.
واعتبر طه أن هذه الجولة التفاوضية، الممتدة حتى يوم الأربعاء، حاسمة لإنهاء المأساة الإنسانية في غزة، وإقرار وقف إطلاق النار، وتحديد مصير المحتجزين والأسلحة، بما يضمن تحقيق تسوية سياسية.
وبخصوص ملف السلاح، شدد طه على أن ما يُقصد بالسلاح هنا هو عدم استمرار حماس كفصيل مقاوم يسيطر على القطاع، وأنها ستتنازل عن الحكم، مؤكدًا أن المقاومة في أي دولة هي حق الأرض وأصحابها، وليست حكرًا على فصيل أو شخص بعينه.
ويعتقد طه أن حركة حماس ستتنازل عن حكم قطاع غزة، سواء رضيت بذلك أم لا، مشيرًا إلى أن إسرائيل تسعى لتأمين مصالحها الإقليمية من خلال استغلال تغييرات خريطة الصراعات في المنطقة.
وقد تمكنت إسرائيل من الحد من قدرات المقاومة في الأراضي السورية، وشرعت في بناء تفاهمات أمنية واسعة مع بعض الفصائل، كما نجحت في منع أي مواجهة مباشرة مع حزب الله، معتبرة أن أي تدخل لبناني وفق الاتفاق سيكون مسؤولية لبنان وحده.
كما لفت طه إلى أن الفصائل العراقية المصنفة إرهابيًا، من قبل الولايات المتحدة، ستضطر للتعامل وفق نفس المنطق، ما يعكس رغبة إسرائيل في تحجيم محور المقاومة وتحقيق هيمنة إقليمية تنسجم مع أجندة واشنطن.
وأكد طه أن مصر، بما تمتلكه من ثقل دبلوماسي واستراتيجي، تظل وسيطًا مقبولًا من جميع الأطراف، وركيزة أساسية لإحلال السلام والأمن في المنطقة العربية، مشددًا على أن دور القاهرة تاريخيًا في دعم القضية الفلسطينية كان حاسمًا.
وأضاف أن استمرارها في هذا الدور يمثل ضمانة لتجنب اندلاع صراعات جديدة، وحماية الحقوق الوطنية الفلسطينية حتى تحقيق دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة كاملة.
واختتم طه حديثه بالتأكيد على أن الحرب لم تنته بعد، مشيرًا إلى استمرار وجود ملفات متعددة مفتوحة لدى إسرائيل، التي تسعى إلى زعزعة استقرار المنطقة.
وحذر من احتمال أن تعاود تل أبيب بعد إنهاء صفقة الأسرى البحث عن عناصر حماس أو المقاومة، أو اختلاق ذرائع للتدخل العسكري مجددًا في غزة، ما قد يعيد المنطقة إلى دائرة جديدة من المفاوضات والمواجهات.