“النهر الجديد”.. مشروع مصري ضخم لمواجهة الفيضانات وتداعيات سد النهضة

أعلنت السلطات المصرية حالة الطوارئ المائية بعد ارتفاع منسوب مياه نهر النيل وغمر مساحات واسعة من الأراضي الواقعة على ضفتيه في عدد من المحافظات، نتيجة زيادة تدفق المياه من الهضبة الإثيوبية عقب فتح سد النهضة.
وفي إطار جهودها لحماية الأرواح والممتلكات وتعزيز الأمن المائي، كشفت الحكومة عن حزمة من الإجراءات العاجلة، من أبرزها إطلاق مشروع “النهر الجديد” الذي يُعد أحد أضخم المشروعات المائية في تاريخ البلاد، وركيزة رئيسية في استراتيجيتها لمواجهة التغيرات المائية المستقبلية.
مشروع “النهر الجديد”: شريان مائي استراتيجي
يهدف المشروع إلى نقل المياه المعالجة من محطات كبرى مثل بحر البقر والمحسمة عبر مسار هندسي ضخم يمتد لأكثر من 170 كيلومتراً، لتغذية مناطق التوسع الزراعي في الدلتا الجديدة وشرق العوينات، وصولاً إلى التجمعات العمرانية في الشيخ زايد و6 أكتوبر.
ووفقاً لوزارة الموارد المائية والري، يعتمد المشروع على عدة مصادر مائية رئيسية:
* المصدر الشمالي: ممر مائي بطول 170 كيلومتراً من ترعة الحمام الجديدة، ينقل نحو 7.5 مليون متر مكعب من المياه يومياً.
* المصدر الغربي: مسار بطول 114 كيلومتراً ينقل مياه الصرف الزراعي من الدلتا القديمة إلى محطة معالجة الحمام لإعادة تدويرها وتنقيتها بدلاً من تصريفها في البحر المتوسط.
* المصدر الشرقي: ممر مائي بطول 41.3 كيلومتراً من ترعة “تحيا مصر”، يضخ حوالي 10 ملايين متر مكعب من مياه النيل يومياً لري أراضي الدلتا الجديدة.
بين الواقع والمجاز
وأوضح الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، أن تسمية المشروع بـ”النهر الجديد” تعبير مجازي، مبيناً أنه في جوهره عبارة عن ترعة عملاقة تُعرف باسم “ترعة مشروع مستقبل مصر”، يبلغ طولها نحو 175 كيلومتراً.
وأشار إلى أن المشروع واجه تحديات جيولوجية وزراعية في مراحله الأولى، بسبب وجود مناطق تحتوي على مياه مالحة غير صالحة للري، ما استدعى إنشاء ترعتين جديدتين لتأمين المياه اللازمة لزراعة نحو مليوني فدان ضمن المشروع، الذي يعتمد جزئياً على مياه فرع رشيد ومياه معالجة صالحة للزراعة.
وأضاف نور الدين أن المشروع لا يرتبط حصراً بأزمة سد النهضة، بل يعتمد على المخزون الاستراتيجي من بحيرة السد العالي ونسب محددة من مياه النيل، موضحاً أن زراعة مليون فدان تحتاج إلى نحو 5 مليارات متر مكعب سنوياً، وقد ترتفع الكمية إلى 7.5 مليارات متر مكعب بحسب احتياجات الري.
مشروع هندسي عملاق
من جهته، وصف الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، “النهر الجديد” بأنه أحد أكبر المشاريع الهندسية في تاريخ مصر، مشيراً إلى أنه يعتمد على أعمال حفر وتبطين دقيقة ويضم أكثر من 25 محطة رفع مياه لضمان وصولها إلى المناطق المرتفعة في نهاية المسار.
وأكد شراقي أن الهدف الأساسي من المشروع هو تعظيم الاستفادة من الموارد المائية المتاحة عبر إعادة استخدام المياه بعد معالجتها، بما يتناسب مع الزيادة السكانية المتسارعة، موضحاً أن هذه المشروعات ساعدت مصر على تجاوز تبعات سد النهضة وتحقيق الاكتفاء الزراعي باستخدام نفس كميات المياه المتاحة.
استعداد دائم لمواسم الفيضان
تأتي هذه الخطط في وقت أعلنت فيه السلطات الطوارئ المائية بعد ارتفاع مستويات الفيضان الحالي، وسط مخاوف من اتساع نطاق التأثيرات لتشمل محافظات جديدة.
وتواصل مصر تنفيذ سلسلة من المشروعات المائية الاستراتيجية لتعزيز أمنها المائي ومواجهة أي تقلبات في تدفقات النيل، في ظل استمرار التحديات الإقليمية المرتبطة بسد النهضة الإثيوبي.