الولايات المتحدة تدخل مرحلة الشلل الفيدرالي: خلافات سياسية تُشعل أكبر إغلاق حكومي منذ سنوات

شهدت الولايات المتحدة تحولاً دراماتيكياً في ساعات الفجر الأولى من يوم الأربعاء، حيث أعلنت رسمياً دخولها مرحلة الإغلاق الحكومي الشامل، المعروف أيضاً بـ”الشلل الفيدرالي”.
جاء هذا الإجراء المفاجئ بعد انتهاء السنة المالية الاتحادية مساء الثلاثاء 30 سبتمبر، دون أن يتمكن الكونغرس من الاتفاق على تمديد جزئي لميزانية الحكومة، مما أدى إلى تعليق فوري للعديد من العمليات الاتحادية.
أسباب الإغلاق: خلافات سياسية حادة
يعود السبب الرئيسي لهذا الإغلاق إلى التوترات السياسية المتفاقمة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. فقد فشل الجمهوريون، الذين يسيطرون على الكونغرس، في الحصول على دعم كافٍ لمشروع قانون يمدد التمويل الحكومي، وسط مطالب الديمقراطيين بتخصيص أموال إضافية لبرامج الرعاية الصحية.
وفقاً لمصادر في البيت الأبيض، دارت المفاوضات الختامية في أجواء مشحونة، حيث رفض الرئيس دونالد ترامب، الذي أعيد انتخابه مؤخراً، أي تنازلات تتجاوز خططه الاقتصادية.
وقبل ساعات قليلة من الإغلاق، أكد ترامب في تصريح عام: “لا نريد أن تتوقف الحكومة”، لكنه أضاف تهديداً بـ”إجراءات لا رجعة فيها وضارة” إذا استمر الجمود، مشيراً إلى خططه في مجال الترحيل والإصلاحات الإدارية.
هذا الإغلاق يمثل الفشل الأكبر في محادثات الميزانية منذ فترة، حيث لم يتمكن الجانبان من كسر الجمود رغم الضغوط المتزايدة من الجهات الاقتصادية والاجتماعية.
وأصدر مكتب إدارة الموازنة في البيت الأبيض تعليمات فورية للوكالات الفيدرالية بتفعيل خطط الطوارئ، مما يعني بدء الإجراءات الإغلاقية في الدقيقة الأولى من اليوم الجديد.
التأثيرات الفورية والمتوقعة
سيؤدي هذا الشلل إلى تعطيل واسع النطاق للخدمات الحكومية، حيث سيتم تعليق عمل نحو 750 ألف موظف اتحادي، ووضعهم في إجازة قسرية غير مدفوعة الأجر.
تقدر التكلفة اليومية لهذا الإغلاق بنحو 400 مليون دولار أمريكي، مع تداعيات اقتصادية محتملة تمتد إلى الأسابيع أو الأشهر إذا طال أمده. من أبرز التأثيرات:
– الخدمات اليومية: إغلاق مكاتب البريد الاتحادي، وتوقف إصدار الجوازات والتأشيرات، مما يعيق حركة السفر الدولي والمحلي.
– الاقتصاد والوظائف: تأجيل إصدار تقرير الوظائف الشهري لسبتمبر من قبل مكتب إحصاءات العمل، بالإضافة إلى تعثر الدفعات الشهرية للمعاشات التقاعدية والإعانات الاجتماعية لملايين الأمريكيين.
– الأمن والدفاع: تأخير صرف رواتب الجنود والقوات المسلحة، رغم استمرار المهام الأساسية مثل الدفاع عن الحدود.
– البحث والتعليم: تعليق المشاريع العلمية في الوكالات الفيدرالية، وتأثر برامج الدعم التعليمي والمنح الدراسية.
– البيئة والصحة: توقف عمليات الرقابة البيئية، وتأثر خدمات الرعاية الصحية الفيدرالية، بما في ذلك برامج التأمين الصحي للفقراء والمسنين.
كما سيؤدي الإغلاق إلى تباطؤ حركة الطيران في المطارات الرئيسية بسبب نقص الموظفين الأمنيين، وقد يؤدي إلى إغلاق بعض المتنزهات الوطنية والمعالم السياحية، مما يضر بالسياحة والاقتصاد المحلي.
السياق التاريخي: تكرار للأزمات السابقة
يُعد هذا الإغلاق الحكومي الخامس عشر في تاريخ الولايات المتحدة منذ عام 1981، وهو الأول من نوعه منذ نحو سبع سنوات، تحديداً منذ أطول إغلاق في التاريخ الأمريكي الذي امتد لـ35 يوماً بين ديسمبر 2018 ويناير 2019، والذي كلف الاقتصاد مليارات الدولارات وأثر على مئات الآلاف من العائلات.
في ذلك الوقت، كانت الخلافات حول تمويل جدار الحدود الجنوبية هي السبب الرئيسي، وهو ما يشبه التوترات الحالية حول الإنفاق الحكومي.
الخبراء يحذرون من أن هذا الإغلاق قد يستمر لأسابيع إذا لم يتم التوصل إلى حل، مما يعزز من عدم الاستقرار السياسي في ظل الانتخابات الرئاسية القادمة.
ردود الفعل والتوقعات المستقبلية
أعرب الرئيس ترامب عن استيائه من “المهاترات السياسية” في الكونغرس، معتبراً الإغلاق “عقاباً ضرورياً” للديمقراطيين، بينما اتهم قادة الديمقراطيين الجمهوريين بـ”اللعب بالنار” مع مصالح الشعب الأمريكي. في الوقت نفسه، أعلن الاتحادات العمالية عن احتجاجات محتملة، مطالبة بإعادة فتح المفاوضات فوراً.
مع غياب أي إشارة إلى اتفاق وشيك، يتوقع المتابعون أن يستمر الإغلاق لأيام على الأقل، مما قد يعمق التوترات الاقتصادية العالمية، خاصة مع تأثيره على الأسواق المالية والتجارة الدولية. سيظل الجميع يترقب خطوات البيت الأبيض والكونغرس في الساعات والأيام المقبلة لمعرفة ما إذا كان هذا الشلل مؤقتاً أم بداية أزمة أكبر.