
في ظل التصعيد المستمر في قطاع غزة، الذي يدخل عامه الثالث من الدمار والمعاناة الإنسانية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة سلام جديدة تهدف إلى إنهاء الحرب، لكنها أثارت جدلاً واسعاً بسبب بنودها التي تركز على مصالح إسرائيل والولايات المتحدة.
الخطة، التي كشف عنها ترامب خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض يوم 29 سبتمبر، تتكون من 21 بنداً رئيسياً، وتُقدم كـ”خارطة طريق” للسلام الأبدي في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، أبدت حركة حماس تحفظاتها الشديدة، مطالبة بتعديلات جوهرية، خاصة في بند نزع السلاح، معتبرة إياه غير واقعي ومُهدد للمقاومة الفلسطينية.
تفاصيل خطة ترامب
تُعد خطة ترامب، التي وُصفت بأنها “معدلة” من الخطة العربية للسلام، محاولة للتوفيق بين مطالب إسرائيل الأمنية والحاجة إلى وقف النزيف في غزة. وفقاً للبيان الرسمي الصادر عن البيت الأبيض، تشمل الخطة الآتي:
– وقف فوري للقتال: يبدأ بإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة خلال 72 ساعة، مقابل إطلاق سراح ما بين 100 و200 سجين فلسطيني من ذوي الأحكام المشددة، سيتم التوزيع “دون تدخل من الطرفين” عبر الأمم المتحدة والهلال الأحمر.
– نزع السلاح وإبعاد حماس: البند الأكثر إثارة للجدل، حيث يُطالب بجمع سلاح حركة حماس عبر قوة عربية دولية خلال فترة زمنية محددة، مع عرض عفو على أعضاء الحركة مقابل الخروج من غزة وتسليم الأسلحة.
لا يُجبر أحد على المغادرة، لكن الخطة تُشير إلى “ممر آمن” لمن يرغب في الرحيل، مع ضمان الحرية في العودة.
– الحكم الانتقالي: ستُدار غزة مؤقتاً من لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية، مسؤولة عن الخدمات العامة، تحت إشراف “مجلس السلام” الدولي برئاسة ترامب نفسه، ويشمل أعضاء مثل الرئيس البريطاني السابق توني بلير، سيحل هذا المجلس محل أي دور سياسي لحماس أو السلطة الفلسطينية في المرحلة الأولى.
– إعادة الإعمار والتنمية: خطة اقتصادية لإعادة بناء غزة خلال 5 سنوات عبر إئتلاف دولي، تشمل “منطقة اقتصادية خاصة” بتعرفة تفضيلية، وإدخال مساعدات فورية (كهرباء، مياه، صرف صحي، مستشفيات).
سيتم النظر في مقترحات استثمارية من دول الشرق الأوسط لتحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”.
أعرب نتنياهو عن دعمه الكامل للخطة، معتبراً إياها “تحقيقاً للأهداف الحربية الإسرائيلية”، بما في ذلك نزع سلاح حماس وضمان عدم تهديد إسرائيل مستقبلاً.
ومع ذلك، حذر ترامب من أن رفض حماس سيؤدي إلى “نهاية حزينة للغاية”، مهلها 3 إلى 4 أيام للرد، مع الدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل في حال الرفض.
موقف حماس
لم تُصدر حماس ردًا رسميًا نهائيًا بعد، لكن مصادر مقربة من الحركة أفادت بتحفظات شديدة، خاصة على بند نزع السلاح الذي يُعتبر “غير قابل للتفاوض” من وجهة نظر إسرائيل.
وفقاً لمصادر فلسطينية، تميل حماس إلى القبول المشروط، مع طلب تعديلات تشمل:
– جدول زمني محدد لانسحاب القوات الإسرائيلية، الذي لا تحدده الخطة بوضوح.
– ضمان عدم تتبع أو اغتيال قيادات حماس في “اليوم التالي” للهدنة.
– إفراج عن جميع الرهائن والسجناء الفلسطينيين دون شروط، مع التركيز على الحكم الفلسطيني الكامل دون إشراف دولي.
أكدت حماس استعدادها لدراسة الخطة “بحسن نية”، لكنها شددت على أن نزع السلاح ليس تسليماً حرفياً، بل “ابتعاداً عن الحكم السياسي والإداري”، معتبرة أن دورها في “اليوم الثاني” غير مطروح أصلاً بسبب الغضب الشعبي والاستهداف الإسرائيلي.
وفي اجتماع متوقع في الدوحة مع وسطاء مصريين وقطريين، ستناقش الحركة هذه التعديلات، مع إمكانية إصدار بيان رسمي خلال أيام.
قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون العربية طلعت طه في حديث خاص لـ”داي نيوز ” عن خطة ترامب للسلام في غزة
المحلل السياسي والخبير فى الشؤون العربية طلعت طه
يرى المحلل السياسي المصري البارز طلعت طه أن خطة ترامب “ظالمة جداً”، موضحاً أنها جاءت منحازة بالكامل للمصالح الأمريكية والإسرائيلية بعد أن أُضيفت بنود جديدة تصبّ في صالح الاحتلال، خصوصاً في ما يتعلق بإنهاء “الاقتتال” الداخلي لا الحرب مع إسرائيل.
ويشير طه إلى أنه رغم الظلم الفادح في الخطة، إلا أنه لا بديل مطروح حالياً، قائلاً:
في حال فشلها سنعود إلى المربع صفر مجدداً بمحاولات وقف إطلاق النار والعودة إلى مفاوضات جديدة قد تزيد الوضع سوءاً.
موقف حماس من بند نزع السلاح
يُفسّر طه بند نزع السلاح بأنه ليس بالمعنى الحرفي تسليم الأسلحة القتالية، بل هو إقصاء حماس عن الحكم والسياسة والإدارة.
ويؤكد أن الحاضنة الشعبية غاضبة من حماس نتيجة الخسائر البشرية والمادية الضخمة في غزة، حيث سقط عشرات الآلاف من الشهداء ومئات الآلاف من المصابين، إضافة إلى تدمير شامل للبنية التحتية.
ويضيف: حماس تعرف جيداً أنها مستهدفة سواء وُقّع اتفاق أو لم يُوقّع، وسواء كانت هناك هدنة أو لم تكن، لذلك هي تفكر في شروط تحفظ على الأقل قياداتها من الملاحقة والاغتيال.
احتمالات التصعيد العسكري
يحذر طه من أن رفض الخطة أو محاولة فرضها بالقوة قد يقود إلى كارثة إنسانية كبرى، ويرى أن أي تصعيد جديد سيكون “مفجعاً”، مشدداً على أن إسرائيل ستستغل الرفض لتشديد الحصار وإغلاق المعابر وزيادة عزلة القطاع.
لكنه يتوقع أن حماس قد تقبل الخطة مع بعض التعديلات، أهمها ضمانات بعدم ملاحقة قياداتها أو مصادرة أموالها، مع التركيز على السماح بدخول المساعدات الغذائية للشعب.
تقييم أسطول الصمود ومحاولة كسر الحصار
عن أسطول الصمود العالمي الذي أعلن اقترابه من شواطئ غزة، يوضح طه أن المبادرة تمثل محاولة إنسانية شجاعة هدفها إيصال صوت الغزيين للعالم أكثر من مجرد إدخال المساعدات.
ويقول: يكفي القائمين عليه شرف المحاولة، فهم أبطال خاطروا بحياتهم من أجل الإنسانية.
لكن طه يستبعد نجاح وصول السفن إلى غزة بسبب الموقف الإسرائيلي، مشيراً إلى أن الاحتلال “لن يسمح بدخولها كما لم يسمح سابقاً، لأنه لو فتح المجال لقارب واحد سيُعتبر اعترافاً بأن الحصار غير شرعي.
المخاطر والواقع الإنساني
يحذر طه من أن الأسطول مهدد بالاعتراض أو الاقتناص من البحرية الإسرائيلية، وقد يتم سحب السفن إلى الموانئ الإسرائيلية ثم ترحيل النشطاء بعد التحقيق معهم.
أما عن الوضع الإنساني في غزة، فيصفه بأنه كارثي وغير مسبوق، موضحاً أن أكثر من 75% من السكان بلغوا “المرحلة الخامسة من الجوع” وهي المميتة، وأن معظم الضحايا الآن يسقطون بسبب الجوع أو نقص الدواء أكثر مما يسقطون بالرصاص.
الخطة، التي أُطلقت وسط تصعيد إسرائيلي في شمال غزة، تظل معلقة بين الأمل والشكوك، مع مخاوف من عودة القتال إذا لم يتم التوصل إلى توافق.
بين خطة ترامب المثيرة للجدل، ومأزق حماس المعقّد، ومحاولة أسطول الصمود كسر الحصار، يبقى مصير غزة معلّقاً بين أمل محدود في الانفراج وخطر متزايد من كارثة إنسانية أشدّ.