فصل جديد في الحرب الروسية الأوكرانية.. هل تدخلت إسرائيل؟

كتب :إسلام ماجد
في خطوة عسكرية جديدة تحمل أبعادًا سياسية واسعة، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم السبت أن بلاده تسلمت بالفعل منظومة دفاع جوي من طراز “باتريوت” أمريكية الصنع من إسرائيل، مشيرًا إلى أن المنظومة تعمل منذ شهر كامل وتشارك في حماية الأجواء الأوكرانية من الضربات الروسية.
وقال زيلينسكي في تصريحات للصحفيين: “المنظومة الإسرائيلية تعمل في أوكرانيا منذ شهر، وسنحصل على منظومتين باتريوت إضافيتين قريباً”.
وأوضح أن هاتين المنظومتين الإضافيتين تأتيان عبر شراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعكس التزامًا أمريكيًا متزايدًا بدعم الدفاعات الجوية الأوكرانية.
إسرائيل تنفي و أوكرانيا تؤكد
وبعد إعلان زيلينسكي، سارعت إسرائيل إلى نفي تقديمها منظومة باتريوت بشكل مباشر إلى أوكرانيا،فقد أوضحت مصادر رسمية أن هذه المنظومات كانت أمريكية الأصل وأعيدت إلى الولايات المتحدة بعد خروجها من الخدمة في الجيش الإسرائيلي، ليتم تحديثها ومن ثم تسليمها لكييف عبر واشنطن.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في مايو الماضي، أن الإدارة الأمريكية طلبت من إسرائيل إعادة منظومة قديمة من طراز باتريوت بغرض صيانتها وإرسالها لاحقًا إلى أوكرانيا.
هذا التباين بين النفي الإسرائيلي والإعلان الأوكراني يعكس حساسية الموقف السياسي لإسرائيل التي تحاول منذ بداية الحرب الحفاظ على حيادها، خصوصًا في ظل علاقاتها المتشابكة مع روسيا.
وامتنعت تل أبيب لسنوات عن تزويد أوكرانيا بالأسلحة، مبررة ذلك بضرورات الحفاظ على التنسيق العسكري مع موسكو في الساحة السورية، لكن التطورات الإقليمية وعلى رأسها هجوم حركة حماس في أكتوبر 2023 وتنامي العلاقات الروسية مع الحركة أضعفت من دوافع الحياد الإسرائيلي، ودفعت باتجاه مواقف أكثر قربًا من كييف.
ويضاف إلى ذلك أن إسرائيل تمتلك جالية ناطقة بالروسية تمثل نحو 15% من سكانها، ما يجعل أي تحرك سياسي أو عسكري تجاه الحرب الروسيةالأوكرانية ذو حساسية شديدة.
اقرأ أيضاً:روسيا وإثيوبيا توقعان على خطة عمل لبناء محطة نووية
شبكة دفاع متكاملة تمنح أوكرانيا قدرة على صد الهجمات القادمة من روسيا
أوكرانيا تعمل على بناء شبكة دفاع جوي متكاملة، تضم أنظمة “IRIS-T” و”جيبارد” الألمانية، إلى جانب النظام الفرنسي الإيطالي “SAMP/T”، وصولًا إلى منظومات باتريوت الأمريكية التي تعد الأكثر تطورًا في مواجهة الصواريخ والطائرات الروسية.
وبحسب خبراء، فإن حصول كييف على المنظومة التي كانت في الخدمة داخل إسرائيل، إضافة إلى منظومتين جديدتين من الولايات المتحدة، قد يرفع عدد بطاريات باتريوت الأوكرانية إلى ما يقارب العشر، وهو ما يمنح الجيش الأوكراني قدرة أكبر على حماية البنية التحتية والمدن من الهجمات الجوية الروسية المكثفة.
لكن الأهمية لا تقتصر على الجانب العسكري، إذ إن لهذه التطورات انعكاسات مباشرة على مسار عملية السلام. فمن جهة، يرى المراقبون أن تعزيز قدرات أوكرانيا الدفاعية يمنحها موقعًا أقوى على طاولة المفاوضات، خصوصًا في ظل استمرار روسيا برفض مبادرات الوساطة الدولية.
ومن جهة أخرى، فإن إدخال منظومات دفاعية متقدمة من دول حافظت طويلاً على سياسة الحياد مثل إسرائيل قد يفسر في موسكو على أنه انحياز غربي شامل ضدهم، وهو ما قد يزيد من تصلب الموقف الروسي ويجعل فرص الوصول إلى تسوية سلمية أكثر تعقيدًا.
سلام محتمل برعاية أمريكية أم حرب دائمة
أشارت بعض القراءات إلى أن الدعم الأمريكي المتجدد، والذي يتضمن منظومتين إضافيتين من طراز باتريوت، يعكس رغبة واشنطن في تمكين كييف من الصمود على المدى الطويل، حتى وإن كان ذلك على حساب إطالة أمد الحرب وتقليص فرص الحوار السلمي.
وكان زيلينسكي يوازن نفسه في خطاباته بين الطموح العسكري والبعد السياسي، ففي الوقت الذي يطالب فيه بمزيد من الأسلحة لصد الهجمات الروسية، لا يغفل التأكيد على أن أوكرانيا مستعدة للسلام “لكن من موقع قوة”، حسب تعبيره المتكرر في لقاءاته الإعلامية.
ويرى خبراء أن قدرة أوكرانيا على بناء شبكة دفاع جوي محصنة تجعلها أقل عرضة للابتزاز عبر الهجمات الصاروخية الروسية، ما يعزز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية. غير أن الواقع الميداني لا يزال معقدًا، فروسيا بدورها تواصل تطوير أسلحتها الهجومية وتوسيع نطاق عملياتها.
الدعم الغربي يهدد السلام في المنطقة وخبير يوضح أبعاد المشهد
وفي سياق متصل، أكد الدكتور خالد محمود، رئيس قسم الإعلام والاتصال في معهد الدوحة بقطر والباحث المتخصص في السياسة السيبرانية، في تصريحات خاصة لـ “داي نيوز”، أن الصراع في أوكرانيا لم يعد مجرد “حرب بالوكالة” بين روسيا وحلف الناتو، بل تحول إلى ساحة صراع إقليمية متعددة الأبعاد.
وأكد أن دخول إسرائيل على خط المواجهة عبر تسليم كييف منظومة باتريوت يمثل تحولًا جوهريًا في طبيعة الحرب، حيث باتت القوى الإقليمية الفاعلة في الشرق الأوسط شريكًا مباشرًا في المواجهة، في إشارة إلى انتقال الاستراتيجية الإسرائيلية من مراعاة المصالح الروسية في سوريا إلى تعزيز التحالف مع الغرب وواشنطن.
وأشار محمود إلى أن هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام قوى إقليمية أخرى لزيادة مشاركتها، ما يوسع دائرة الصراع ويعمق المخاطر، خاصة مع انهيار القيود غير المعلنة التي حكمت المواجهة في بدايتها، وتآكل الخطوط الحمراء التي كانت تمنع التصعيد المباشر.
كما لفت إلى أن إدخال الباتريوت الإسرائيلية قد يضعف من عوامل الردع المتبادلة، ويدفع روسيا إلى تعزيز تحالفاتها مع إيران وحلفائها الإقليميين، الأمر الذي ستكون له انعكاسات على التوازنات في سوريا ولبنان والضفة الغربية، وربما يمنح موسكو المبرر لزيادة دعمها العسكري للفصائل المعرضة لإسرائيل.
وحذر محمود من أن أوروبا تواجه “لحظة حقيقة”، إذ يضعها التصعيد أمام خيارين أحلاهما مر: إما التورط المباشر بدرجة أكبر، أو القبول بانتصار روسي يعيد رسم حدود القارة وأمنها.
وفيما يتعلق بالبعد العسكري، أوضح أن تسليم منظومتين إضافيتين من طراز باتريوت يعزز الدفاعات الأوكرانية، خاصة في حماية المدن والبنى التحتية الحيوية من الهجمات الروسية المكثفة، لكنه يبقى دعمًا مهمًا غير كافٍ لتشكيل درع جوي متكامل، في ظل التفوق الروسي العددي والنوعي، ما يجعل أوكرانيا بحاجة إلى مزيد من أنظمة الدفاع الجوي المتوسطة والقصيرة المدى لتحقيق استراتيجية متوازنة على المدى الطويل.
كما أشار الباحث في الدراسات السياسية والاستراتيجية أحمد ماجد، أن إدخال منظومات دفاع جوي بهذا التطور إلى أوكرانيا يحمل أبعادًا كثيرة، فهي تسهم في تعزيز قدرة كييف على حماية مدنها وبناها التحتية من الهجمات الروسية، وهو ما يقلل الخسائر المدنية ويمنحها صمودًا أكبر.
وأوضح ماجد إلى أن دخول أطراف إقليمية مثل إسرائيل يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويضاعف حساسية الموقف على الصعيد الدولي، حيث فسّرت موسكو ذلك على أنه انحياز شديد من الغرب ضدها.
وأردف الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية ، أن الدعم الغربي قد يقوي موقف أوكرانيا ويمنحها الأفضلية على طاولة المفاوضات.