أخبار عربية

ثورة الشباب في المغرب: جيل زد يطالب بالتغيير الجذري

في أحداث هزت الشارع المغربي مؤخراً، برزت حركة احتجاجية غير تقليدية قادها الشباب من فئة “جيل زد”، الذين يُعرفون بأنهم الأجيال المولودة بين أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة.

هؤلاء الشباب، الذين يعتمدون بشكل كبير على المنصات الرقمية مثل إنستغرام وديسكورد للتعبئة، نجحوا في حشد مئات بل آلاف المشاركين في عدة مدن رئيسية، مطالبين بإصلاحات عميقة في القطاعات الحيوية للبلاد.

بدأت هذه الحركة كنداء بسيط عبر الإنترنت، لكنها سرعان ما تحولت إلى موجة من الوقفات والمسيرات السلمية، التي واجهتها السلطات بتدخلات أمنية حاسمة، مما أثار جدلاً واسعاً حول حدود الحريات في المملكة.

الشرارة الأولى: كيف بدأت الحركة؟

ظهرت مجموعة “جيل زد 212” – وهو اسم مستوحى من رمز الدولة المغربية الدولي +212 – قبل أيام قليلة فقط من الأحداث الرئيسية، كفضاء نقاشي افتراضي يركز على قضايا تهم الجميع، خاصة الشباب.

أعلنت المجموعة عن تنظيم وقفات احتجاجية يومي 27 و28 سبتمبر 2025، تحت شعارات بليغة مثل “المغرب يستحق الأفضل” و”الصحة أولاً.. مبغيناش كأس العالم!”، في إشارة ساخرة إلى الاستثمارات الضخمة في الرياضة على حساب الخدمات الأساسية.

كانت الدعوة الأولى تركز على مشاكل ملموسة يومية، مثل سوء جودة التعليم العمومي الذي يعاني من نقص الموارد والفصول المزدحمة، وانهيار نظام الصحة الذي شهد في الآونة الأخيرة حوادث مؤلمة مثل وفيات بسبب نقص الأدوية أو الإهمال في المستشفيات.

بالإضافة إلى ذلك، أبرزت المطالب بفرص عمل حقيقية للشباب، حيث يصل معدل البطالة بينهم إلى مستويات قياسية، ومكافحة الفساد الذي يُرى كعائق أمام العدالة الاجتماعية.

استخدم المنظمون التواصل الاجتماعي بذكاء، مشاركين قصصاً شخصية وصوراً من الواقع اليومي، مما أدى إلى انتشار النداء بسرعة البرق.

لم تكن هذه الحركة مرتبطة بأحزاب سياسية أو نقابات تقليدية، بل كانت تعبيراً عفوياً عن إحباط جيل يشعر بالإقصاء من منظومة تبدو بعيدة عن احتياجاته. وفقاً لمراقبين، يعكس هذا النهج تحولاً في أساليب التعبئة بالمغرب، حيث يجمع بين النشاط الرقمي والنزول إلى الشارع بطريقة سلمية في البداية.

 المواقع والأحداث: من الرباط إلى مراكش

انتشرت الاحتجاجات في مدن متعددة، مما جعلها تبدو كحركة وطنية متماسكة رغم عفويتها.

في العاصمة الرباط، حاول عشرات الشباب الاجتماع أمام مبنى البرلمان يوم السبت 27 سبتمبر، مرددين هتافات تندد بتراجع مستوى الخدمات العمومية.

لكن السلطات منعت التجمع، وفرقت الوقفة بالقوة، مما أسفر عن توقيف أكثر من 70 شخصاً وفقاً لتقارير جمعيات حقوقية. كان المشهد الأكثر إثارة في ساحة الأمم بطنجة، حيث شهدت توترات عنيفة أثناء محاولة الشباب الوصول إلى نقطة التجمع، مع استخدام الهراوات والغاز المسيل للدموع، واعتقال عشرات آخرين.

في الدار البيضاء ومكناس، كانت الوقفات أكثر محدودية، لكن السلطات تدخلت بسرعة لتفريقها، مما أثار غضباً إضافياً على وسائل التواصل.

أما في مراكش وأكادير، فقد انضم مواطنون من فئات عمرية أخرى، بما في ذلك أعضاء من جمعيات حقوقية وأحزاب يسارية، لدعم الشباب، مما وسع قاعدة المشاركين. يوم الأحد 28 سبتمبر، تجددت المحاولات في الرباط والدار البيضاء، مع هتافات أقوى مثل “الشعب يريد إسقاط الفساد”، لكن الاستنفار الأمني كان أشد، حيث تحولت بعض الشوارع إلى ثكنات عسكرية مؤقتة.

وصف ناشطون المشهد بأنه “اغتيال للحريات”، مشيرين إلى أن التدخلات الأمنية كانت مفرطة حتى بالنسبة لتجمعات صغيرة.

 ردود الفعل: بين الدعم والقمع

أثارت هذه الأحداث ردود فعل متباينة. من جهة، أشادت هيئات حقوقية وأحزاب معارضة بالحركة، معتبرة إياها تعبيراً مشروعاً عن غضب شعبي متراكم.

قال رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان، عادل الشيكيطو، إن “بروز جيل زد يعكس عمق التحولات الاجتماعية، حيث يستخدم الشباب الفضاء الرقمي للتعبير عن مطالبهم بعيداً عن الأطر التقليدية”.

كما حذرت منظمات دولية من استخدام العنف المفرط، مشيرة إلى أن مثل هذه التدخلات قد تؤجج التوترات بدلاً من تهدئتها.

من جهة أخرى، لم تصدر الحكومة أي تعليق رسمي فوري، مما أثار اتهامات بـ”الاختفاء عن المشهد” وسط أزمة اجتماعية. أما السلطات الأمنية، فقد أصدرت قرارات بمنع التجمعات في بعض المدن، معتبرة إياها غير مصرح بها، وأكدت على الحفاظ على الأمن العام.

ومع ذلك، أدى انتشار فيديوهات الاعتقالات والضرب أمام الكاميرات إلى حملة هاشتاغ #GenZ212، التي انتشرت عالمياً، محولة الحدث إلى قضية دولية تتعلق بحقوق الإنسان.

 الآثار والتوقعات: هل هي بداية تغيير؟

هذه الاحتجاجات ليست الأولى في المغرب، لكنها تتميز بقيادتها الشبابية والرقمية، مما يجعلها أكثر صموداً أمام القمع.

يرى مراقبون أنها تعيد رسم المشهد السياسي، حيث يتحدى جيل جديد الديمقراطية التمثيلية التقليدية، مطالبًا بديمقراطية “سائلة” مباشرة في الشوارع.

مع تزايد الإحساس بالإقصاء الاقتصادي والاجتماعي، خاصة مع ارتفاع التكاليف المعيشية وتأثير الجائحة، قد تستمر هذه الحركة في التوسع إذا لم تُلبَ مطالبها الأساسية.

في النهاية، يبقى السؤال مفتوحاً: هل ستكون هذه “شرارة” لإصلاحات حقيقية، أم مجرد موجة تُكبت كسابقتها؟ الشباب المغاربة، بصوتهم الرقمي والحضري، يؤكدون أن الصمت لم يعد خياراً، وأن المغرب يستحق أكثر من الوعود الفارغة.

Mariam Hassan

مريم حسن كاتبة وصحفية متخصصة في الشأن الهندي ـ الباكستاني و جنوب شرق آسيا خبرة سنتين في مجال العمل الصحفي والإعلامي. أماكن العمل : داي نيوز الإخباري. أعمل على ترجمة وتحرير الأخبار والتقارير الصحفية المتنوعة. تحليل و دراسة التحولات السياسية والتهديدات الأمنية في آسيا وانعكاساتها على الأمن القومي المصري والعربي. متابعة التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، وتحليل سياسات القوى الإقليمية وأنماط التحالفات بين جنوب آسيا والشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى