ما سر هوس ترامب بمدينة بورتلاند الأمريكية؟

أثارت مدينة بورتلاند في ولاية أوريغون جدلًا واسعًا داخل الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة، بعدما أصبحت محورًا متكررًا في خطابات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وعلى الرغم من أن المدينة لا تحتل موقعًا سياسيًا مركزيًا مثل واشنطن أو نيويورك، إلا أنها تحولت إلى رمز في الخطاب السياسي المحافظ، ما جعلها تثير فضول المتابعين حول أسباب هذا الاهتمام المفرط من ترامب.
بورتلاند.. رمز للفوضى في عقلية ترامب
تشير صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية إلى أن هوس ترامب بمدينة بورتلاند يعود إلى أحداث سابقة ارتبطت بالمدينة، حيث شهدت قبل سنوات احتجاجات واسعة رافقها إشعال حرائق في مبانٍ حكومية، ما جعلها تُصوَّر كرمز للفوضى وانعدام القانون.
وزاد هذا الانطباع رسوخًا خلال احتجاجات “جورج فلويد” عام 2020، والتي اندلعت على خلفية العنف الشرطي ضد الأمريكيين من أصول إفريقية.
ومنذ ذلك الحين، لم يغب اسم بورتلاند عن خطابات ترامب، الذي كرر اتهاماته للمدينة بأنها “تفتقر للنظام”، وأنها تعكس نموذجًا سلبيًا عن التوجهات اليسارية داخل الولايات المتحدة.
إرسال قوات فيدرالية.. استراتيجية القوة
أعلن ترامب في أكثر من مناسبة أنه وجه وزير الدفاع حينها لإرسال قوات أمريكية إلى بورتلاند، بدعوى حماية “المرافق الحكومية المحاصرة من قبل حركة أنتيفا ومحتجين يساريين آخرين”. وأكد أنه على استعداد لاستخدام “القوة الكاملة إذا لزم الأمر”.
هذا التوجه يعكس فلسفة ترامب القائمة على استخدام القوة كوسيلة لإثبات الحزم السياسي، رغم الانتقادات الواسعة التي واجهها داخليًا ودوليًا.
فقد اعتبر كثيرون أن خطوة نشر القوات العسكرية ضد المواطنين الأمريكيين تهدد أسس الديمقراطية وتفتح الباب أمام عسكرة الحياة المدنية.
التناقض بين الواقع والدعاية السياسية
المفارقة أن معدل الجرائم في بورتلاند أقل من مدن أمريكية أخرى مثل ممفيس وكليفلاند وواشنطن، بحسب الإحصاءات الرسمية. لكن، في نظر ترامب، لم تكن القضية مرتبطة بالأرقام أو بالمؤشرات الأمنية، بل بما تمثله المدينة كرمز سياسي وثقافي يعارض رؤيته.
ففي حملاته الانتخابية، استخدم ترامب بورتلاند كـ”فزاعة” لتخويف الناخبين المحافظين من الفوضى، مقدمًا نفسه باعتباره “رجل القانون والنظام”. وقد ساعده ذلك على تعزيز شعبيته بين شرائح مؤيدة لاستخدام القوة ضد الاحتجاجات والحركات اليسارية.
دلالات أوسع
تحولت بورتلاند إلى ساحة مواجهة بين رؤيتين متناقضتين:
رؤية ترامب وأنصاره: التي ترى أن الحزم والقوة العسكرية ضروريان لفرض الاستقرار.
رؤية معارضيه: التي تؤكد أن استخدام الجيش ضد المواطنين يمثل تهديدًا خطيرًا للحريات والديمقراطية.
ويعتقد خبراء أن إصرار ترامب على استحضار بورتلاند في خطابه السياسي يعكس رغبته في تأجيج الاستقطاب السياسي والاجتماعي، واستثمار الانقسامات الداخلية لتعزيز حضوره بين القاعدة الشعبية المؤيدة له.
لا يتعلق هوس ترامب ببورتلاند بمؤشرات الأمن أو معدلات الجريمة، بل بالرمزية السياسية التي اكتسبتها المدينة في سياق الاحتجاجات والجدل حول الحريات. فقد أصبحت المدينة نموذجًا في خطابات ترامب عن “الفوضى الليبرالية”، وميدانًا لتجسيد شعاره الدائم: “القانون والنظام”.
وبينما يرى البعض أن هذا الخطاب يعكس حزمًا وصرامة في مواجهة الاضطرابات، يحذر آخرون من أنه يقوّض أسس النظام الديمقراطي ويزيد من حدة الانقسام الأمريكي الداخلي، الذي ظهر بوضوح منذ احتجاجات عام 2020 وحتى اليوم.