في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة جدلًا اقتصاديًا متصاعدًا، سلطت شبكة سي إن إن الضوء على الآثار المباشرة للرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب، مؤكدة أن تلك السياسات تسهم في زيادة التضخم وتعميق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ما يهدد بتفاقم الاضطرابات الاقتصادية في المستقبل القريب.
ارتفاع إنفاق المستهلكين رغم الضغوط
أشارت الشبكة إلى أن إنفاق المستهلكين في الولايات المتحدة ارتفع بنسبة 0.6% خلال شهر أغسطس الماضي، إلا أن هذا الرقم يتراجع إلى 0.4% فقط بعد تعديله لمراعاة التضخم.
ورغم أن هذه الزيادة قد توحي بانتعاش نسبي في النشاط الاقتصادي، إلا أنها تخفي وراءها ضغوطًا معيشية متزايدة تثقل كاهل الطبقات المتوسطة والفقيرة.
تضخم أسعار الاستهلاك عند أعلى مستوى في ستة أشهر
بيانات وزارة التجارة الأمريكية كشفت بدورها أن مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) – وهو المقياس المفضل لدى الاحتياطي الفيدرالي لتتبع التضخم – ارتفع بنسبة 0.3% شهريًا، ليصل المعدل السنوي إلى 2.7%، وهو المستوى الأعلى منذ ستة أشهر. ويُعد هذا الارتفاع إشارة واضحة إلى استمرار الضغوط التضخمية رغم محاولات السيطرة عليها.
قفزات في أسعار الغذاء والمرافق
الزيادات لم تتوقف عند المؤشرات العامة، بل شملت القطاعات الأساسية لحياة المواطن الأمريكي. فقد ارتفعت أسعار الغذاء بنسبة 0.5% خلال أغسطس، مسجلة أكبر قفزة منذ مارس الماضي.
كما سجلت أسعار اللحوم الحمراء زيادات سنوية هائلة بلغت 13.9%، إلى جانب ارتفاع تكاليف المرافق المنزلية بنسبة 7%، والخضراوات بنسبة 6.2%.
ويرى محللون أن هذه الأرقام تعكس ضغوطًا معيشية غير مسبوقة، إذ تلتهم زيادة الأسعار الجزء الأكبر من دخول الأسر، ما يضعف قدرتها على الادخار ويزيد اعتمادها على الديون.
تراجع الادخار وتباطؤ نمو الدخل
واحدة من أبرز النتائج السلبية لهذه التحولات كانت تراجع معدل الادخار الشخصي للأمريكيين إلى 4.6% في أغسطس، مقارنة بـ4.8% في يوليو السابق.
وفي الوقت ذاته، نما الدخل الشخصي بنسبة 0.4% فقط، لكنه يتقلص إلى 0.1% عند احتساب أثر التضخم، ما يعني أن القوة الشرائية الحقيقية للأسر تتعرض للتآكل المستمر.
تعمّق الفجوة الاقتصادية
خلصت سي إن إن إلى أن هذه التطورات تسهم في تعميق الفجوات الاقتصادية داخل المجتمع الأمريكي. ففي حين يواصل الأثرياء قيادة الاستهلاك بفضل وفرة ثرواتهم، تتضرر الطبقات الوسطى والفقيرة بشكل مباشر من ارتفاع الأسعار وتراجع الدخل.
ومع استمرار الضغوط التضخمية والرسوم الجمركية، يصبح الاقتصاد الأمريكي أكثر عرضة للاضطرابات، وهو ما يثير قلق المستثمرين وصناع القرار على حد سواء.
مستقبل غامض للاقتصاد الأمريكي
يرى الخبراء أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب لا تعكس فقط توجهاً نحو الحماية التجارية، بل تكشف عن تحول هيكلي في طبيعة الاقتصاد الأمريكي، قد يؤدي إلى تداعيات طويلة الأمد.
فإذا استمر التضخم في التصاعد، وتواصل تراجع معدلات الادخار، فإن ذلك قد يخلق بيئة اقتصادية هشة تضع الولايات المتحدة أمام اختبار صعب في المرحلة المقبلة.
