انهيار العملة الإيرانية إلى أدنى مستوى أمام الدولار عقب تفعيل العقوبات الدولية

شهد الريال الإيراني، العملة الرسمية للجمهورية الإسلامية، تراجعاً دراماتيكياً يوم الأحد 28 سبتمبر 2025، حيث وصل إلى أدنى مستوياته التاريخية مقابل الدولار الأمريكي في السوق غير الرسمية، مدفوعاً بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة بعد فشل المفاوضات النووية مع القوى الغربية.
وقد حدث هذا الانهيار قرابة الساعة 7:30 صباحاً بتوقيت غرينتش، مما أثار موجة من القلق بين الاقتصاديين والمواطنين الإيرانيين، الذين يعانون بالفعل من سنوات من الضغوط الاقتصادية المتراكمة.
السياق السياسي والاقتصادي وراء الانهيار
جاء هذا التدهور المالي في أعقاب قرار مجلس الأمن الدولي بتفعيل “آلية الزناد”، التي أدت إلى إعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة على إيران بعد عشر سنوات من رفعها في إطار الاتفاق النووي لعام 2015 (المعروف باسم الخطة الشاملة المشتركة للعمل).
كانت هذه العقوبات معلقة منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في عام 2018 تحت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أعاد فرض عقوبات أمريكية أحادية الجانب أدت إلى خسارة الريال أكثر من 90% من قيمته منذ ذلك الحين.
في الآونة الأخيرة، تعثرت المحادثات بين طهران والدول الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بشأن برنامج إيران النووي، مما مهد الطريق لإعادة الفرض الدولي للعقوبات يوم السبت 27 سبتمبر 2025.
أقر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً أوروبياً ضد إيران، متهماً إياها بانتهاكات نووية، بينما أدى سقوط نظام بشار الأسد في سوريا – حليف تقليدي لطهران – إلى تفاقم التوترات الإقليمية.
كما ساهمت مخاوف من عودة سياسة “الضغط الأقصى” الأمريكية، خاصة مع اقتراب تولي ترامب الرئاسة مرة أخرى في يناير 2026، في دفع الأسعار إلى الأسفل.
التأثيرات الاقتصادية الفورية
في السوق السوداء، التي تعتبر مؤشراً أكثر دقة للواقع الاقتصادي في إيران بسبب السيطرة الحكومية على السوق الرسمية، هبط الريال إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تجاوز سعر الدولار حاجز 1,074,000 ريال للدولار الواحد، مقارنة بـ 690,000 ريال في نوفمبر 2024.
هذا الارتفاع في سعر الدولار يعكس تراجعاً حاداً في القدرة الشرائية للريال، مما يرفع أسعار الواردات الأساسية مثل الغذاء والأدوية، ويفاقم التضخم الذي يتجاوز 40% سنوياً.
أعربت السلطات الإيرانية عن غضبها الشديد من هذه الخطوة الدولية. في رسالة موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، نشرها نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على منصة إكس، نددت طهران بـ”أي محاولة لإعادة تفعيل آليات العقوبات”، مؤكدة أنها لن تعترف بها ولن تتعاون مع لجنة العقوبات أو هيئة الخبراء.
كما حث الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 24 سبتمبر، أعضاء منظمة أوبك على تبني موقف موحد ضد العقوبات الأمريكية المحتملة، مشدداً على أن برنامج طهران النووي سلمي.
الخلفية التاريخية والتوقعات المستقبلية
يعود تاريخ الريال الإيراني إلى أزمات متكررة مرتبطة بالعقوبات، حيث خسر أكثر من 90% من قيمته منذ 2018، مما أدى إلى انخفاض عائدات النفط من 100 مليار دولار في 2011 إلى 8 مليارات فقط في السنوات اللاحقة.
رغم ذلك، حققت إيران إيرادات نفطية بلغت 53 مليار دولار في 2023 و54 مليار في 2022، مع إنتاج يتجاوز 3.2 مليون برميل يومياً في 2024، وفقاً لتقديرات أوبك وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
ومع ذلك، كثفت الولايات المتحدة ضغوطها مؤخراً بعقوبات على ناقلات النفط الإيرانية الموجهة إلى الصين، مما يهدد بتقليص هذه الإيرادات.
يحذر الخبراء من أن هذا الانهيار قد يكون بداية لأزمة أعمق، خاصة إذا سمحت واشنطن لإسرائيل بضرب المواقع النووية الإيرانية، كما يخشى بعض المحللين.
في الوقت نفسه، يرى آخرون أن إيران قد تلجأ إلى استراتيجيات تجاوز مثل الشحنات السرية أو التعاون مع دول صديقة، لكن الضغط الاقتصادي على المواطنين سيظل متزايداً، مع ارتفاع الأسعار وانخفاض مستوى المعيشة.
لا يوجد إجماع على موعد التعافي، لكن فشل المحادثات النووية يجعل الآفاق قاتمة على المدى القريب.