اختراقات روسية تربك الناتو… وترامب يؤيد إسقاط الطائرات.. ماالقصة؟

كتب : إسلام ماجد
خلال أسابيع قليلة تصاعدت حوادث دخول طائرات ومسيّرات روسية إلى أجواء دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي خاصة بولندا وإستونيا ورومانيا ما دفع الحلف لعقد اجتماعات طارئة بموجب المادة الرابعة ومناقشة إجراءات دفاعية تصاعدية.
وفي وقتٍ جدّد فيه الرئيس الأميركي دعمَه لإمكانية إسقاط طائرات تخترق أجواء الحلف، أثارت الحوادث توتّراً دبلوماسياً بين ادعاءات غربية ونفي روسي قاطع، ومخاوف من تصعيد عسكري لا تحمد عقباه.
و شهدت المنطقة في أيام متلاصقة حالات متعددة ،منها إدعاءات بولندا بدخول عشرات الطائرات المسيرة، وإعلان إستونيا أن ثلاث طائرات ميج-31 روسية عبرت مجالها الجوي، وتسجيل حالات تحليق فوق أجواء رومانيا.
كما جاء رد الناتو بعقد مشاورات عاجلة في بروكسل، مؤكدًا أن تقييم كل حادث يكون “حالة بحالة” وأن الاعتراض والمرافقة هما النهجان المطبقان عادةً ما لم يتم تقييم تهديد وشيك.
موقف الناتو وإمكانات الاشتباك مع روسيا
أوضح الأمين العام للحلف أن قرارات الاشتباك تُتخذ في الوقت الحقيقي اعتمادًا على المعلومات الاستخبارية، وأن القيادة الأوروبية للناتو تمتلك “الأدوات والصلاحيات” للدفاع.
على الصعيد العسكري لدى أعضاء الناتو طائرات اعتراضية وصواريخ جو-جو متطورة قادرة على تنفيذ إسقاط تقنيًا إذا تقرّر ذلك، لكن القرار لا يظل فنيًا فقط إذ تنطوي خيارات الاشتباك على مخاطر سياسية وتشغيلية قد تؤدي إلى تصعيد مباشر مع موسكو ،و من هنا تتجه الأنظار بشكل متزايد إلى دول البلطيق التي تمثل خط التماس الأكثر حساسية بين روسيا والناتو، والتي قد تشكل مسرح التطورات المقبلة.
اقرأ أيضاً:روسيا وإثيوبيا توقعان على خطة عمل لبناء محطة نووية
لماذا أصبحت البلطيق ساحة للحرب ؟
دول البلطيق تضم إستونيا و لاتفيا و ليتوانيا كما تقع على خط تماس جغرافي وحساس بين روسيا وحلف الناتو، مما يجعلها مساحة اختبار لردود الفعل.
كما تُستخدم الاختراقات الجوية كأداة ضغط نفسي وسياسي لاختبار جاهزية الدفاعات، وكوسيلة استراتيجـية لإرسال رسائل ردع واستعراض قدرة أمام بروكسل وواشنطن، بالإضافة إلى إمكانيتها في كشف ثغرات في نظم الرصد والاعتراض.
موسكو ترد على الاتهامات المتبادلة
نفَت موسكو أي اتهامات وجهت لها ، ووصفت بعض الحوادث بأنها “مفبركة” وتهدف إلى الضغط السياسي.
و اعتبر المتحدثون الروس أن الادعاءات تفتقر إلى أدلة كافية، بينما اتهمت تصريحات دبلوماسية روسية بعض دول الحلف باستغلال الحوادث لتأجيج موقف عدائي ضد روسيا.
ومن ناحية أخرى، أحجمت دول غربية عن تحريك السلم إلى مستوى المواجهة ما لم يظهر تهديد مباشر واضح.
كما تظل القدرة الفنية لدى الناتو على إسقاط طائرة روسية واردة، لكن تبعاتها السياسية والعسكرية خطيرة جدًا.
وبالنسبة لسيناريوهات الرد سوف تتراوح بين الاعتراض والمرافقة، واعتماد إجراءات دبلوماسية أو اقتصادية، وصولًا إلى اشتباك محدد إذا بُرهن على تهديد فعلي.
و في ظل تصريحات أميركية مشجعة لكييف وتأكيدات على استعادة الأراضي، يبقى الحلف أمام معادلة حساسة وهي كيف يوازن بين ردع الاختراقات والحفاظ على توازن تجنب التصعيد مع قوة عسكرية نووية كبرى في المنطقة.

إيفان أوس: روسيا تخوض حربًا كبرى ضد الناتو والتحالف لا يمتلك القوة السياسية لمواجهتها
وفي سياق متصل، أكد إيفان أوس، كبير مستشاري المعهد الأوكراني للدراسات والمحلل السياسي، في تصريحات خاصة لداي نيوز، أن روسيا منذ بداية الحرب في فبراير 2022 تحاول دائمًا إظهار أن صراعها ليس مع أوكرانيا بل مع حلف الناتو، ومع ذلك فإن التحركات العسكرية الروسية على الأرض كثيرًا ما تنعكس على مناطق أو دول حدودية قريبة من الحلف مثل رومانيا وبولندا وإستونيا وفنلندا والدنمارك.
وأشار أوس إلى أن موسكو تدرس دائمًا مستوى الرد الغربي وتراجع خطواتها إذا شعرت بوجود رد فعل قوي، مستشهدًا بحادثة إسقاط تركيا لطائرة روسية عام 2016، والتي هددت موسكو وقتها بالرد لكنها تراجعت سريعًا، ثم عادت العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، ولفت إلى أن أنقرة واصلت تحدي روسيا في أكثر من ملف سواء في سوريا أو في كاراباخ.
وأضاف أن روسيا تعتبر المواجهة الحالية جزءًا من حربها الكبرى ضد الناتو، وليست مجرد صراع في أوكرانيا وحدها، معتبرًا أن الحلف يفتقر إلى الإرادة السياسية الحقيقية لمواجهة موسكو، باستثناء تركيا التي كانت أكثر وضوحًا في مواقفها.
أما الاتحاد الأوروبي، فبرأيه ما زال غير مستعد للتعامل مع الأزمات الكبرى، مشبهًا ذلك بموقف بريطانيا وفرنسا قبل الحرب العالمية الثانية، حينما قدما تنازلات لألمانيا أملًا في تجنب الحرب، لكن النتيجة كانت العكس تمامًا.
وأوضح أوس أن الناتو اليوم لا يمتلك القدرة على إغلاق الأجواء أمام الطائرات والصواريخ الروسية، وهو ما دفع الأوكرانيين إلى إطلاق “مزحة” تقول إن كلمة “NATO” تعني “No Action Talk Only”، أي مجرد كلام بلا أفعال، معتبرًا أن الحلف يبدو خائفًا من مواجهة روسيا.
وعن الموقف الأمريكي، قال أوس إن الرئيس دونالد ترامب غير مواقفه مرات عديدة، لكن اللافت أنه في تصريحاته الأخيرة بدأ يتحدث عن العودة إلى وضع عام 1991، أي استعادة أوكرانيا لسيادتها كاملة بما في ذلك القرم وأجزاء من دونباس التي ضمتها روسيا في 2014.
وأوضح أن ترامب سبق وصرّح بأن على كييف أن تنسى هذه الأراضي، لكنه الآن يكرر دعمه للعودة إلى حدود 1991.
وتابع أن هذه التحولات في خطاب ترامب قد تكون مهمة إذا تحولت إلى دعم عملي من جانب الولايات المتحدة، لأن الأمر حتى اللحظة لم يتجاوز حدود التصريحات، مضيفًا أن أوكرانيا ستسعى للحصول على أكبر قدر ممكن من هذا الدعم إذا تأكدت جديته.
من جانبه، يرى أحمد ماجد، الباحث في الدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الاختراقات الجوية الروسية تضع الناتو أمام اختبار صعب بين خيار الرد العسكري وخيار ضبط النفس الدبلوماسي.
وأوضح ماجد، أن الغرب يعتبر هذه الحوادث محاولة لجس نبض الحلف واختبار جاهزيته، في حين تصفها موسكو بأنها مزاعم مفبركة تستغل لأغراض سياسية.
وأشار ماجد إلى أن إسقاط طائرة روسية قد يؤدي إلى تصعيد خطير لا يرغب أي طرف في تحمله، لكن تكرار هذه الحوادث يهدد في المقابل مصداقية الناتو إذا لم يترجم تهديداته إلى أفعال.
وأضاف أن تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الأخيرة تمنح كييف دفعة معنوية مهمة، لكنها تظل بعيدة عن مستوى الدعم العملي الحاسم.
واختتم ماجد تصريحاته بالتأكيد على أن المشهد الراهن يظل محكومًا بحسابات دقيقة لتجنب الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة مع موسكو.