مفاعلات روسية في أرض فارس: هل يحوّل هذا التعاون النووي موازين المنطقة؟

كتبت: إسراء جبريل
في وقت تتسارع فيه التحولات الجيوسياسية وتتصاعد التوترات حول الملف النووي الإيراني، أعلنت طهران وموسكو عن خطة طموحة لبناء محطات نووية جديدة على الأراضي الإيرانية.
ووفقًا للتقارير، فإن هذا التعاون يتجاوز حدود الطاقة ليرسم ملامح شراكة استراتيجية أعمق بين قوتين تسعيان إلى تحدي الهيمنة الغربية وإعادة تشكيل خارطة النفوذ في الشرق الأوسط.
فما الذي يعنيه هذا التعاون لإيران داخلياً؟ وكيف يمكن أن يعيد تشكيل التوازنات الإقليمية والدولية؟
أبعاد التعاون النووي: من الطاقة إلى النفوذ
في أواخر سبتمبر 2025 وقّعت طهران وموسكو مذكرة تعاون تتعلق بتشييد محطات كهرباء نووية (أُشير إليها بأنها “محطات نووية صغيرة” أو وحدات متعددة) في إيران، بما في ذلك خطة لبناء ثمانية مفاعلات كهربائية — أربعة منها في منطقة بوشهر حيث توجد المحطة الروسية الحالية — في إطار مسعى طهران للوصول إلى هدف قدرته ~20 غيغاواط من الطاقة النووية بحلول 2040.
الإعلان جاء عبر لقاء بين رئيس مؤسسة الطاقة الذرية الإيرانية (محمد اسلامی) ورئيس شركة روساتوم (أليكسي ليخاتشيف) وغطّته وكالات أنباء متعددة.
ولدى إيران محطة واحدة تشغيلية كبيرة حالياً (بوشهر) بُنيت بمشاركة روسية وتنتج نحو ~1 غيغاواط؛ الإعلان الجديد يضع هدف توسعياً واسع النطاق (حتى 20 غيغاواط) عبر بناء وحدات إضافية، وبعض التقارير ذكرت أنها ستكون وحدات أصغر نسبياً أو “محطات صغيرة” لكن التفاصيل التقنية (نوع المفاعل، قدرة كل وحدة، مصدر الوقود، جدول زمني تفصيلي) لم تُنشر كاملة بعد.
تأثير استراتيجي مزدوج وتغيير في موازين القوى الإقليمية
تكتسب الشراكة النووية بين موسكو وطهران، والتي تجسدت في الاتفاق على بناء ثمانية مفاعلات كهربائية جديدة، أهمية استراتيجية بالغة تتجاوز نطاق قطاع الطاقة.
هذا التعاون يأتي في توقيت دقيق يتسم بتصاعد الضغوط الدبلوماسية الغربية على طهران، ما يجعله بمثابة حجر زاوية لتعميق المحور الروسي-الإيراني وإعادة تشكيل جزء من خريطة النفوذ في الشرق الأوسط.
أولويات داخلية: أمن الطاقة وتحرير الموارد
تُعدّ الحاجة المُلحة إلى تأمين إمدادات الكهرباء، خصوصاً في أوقات الذروة، دافعاً رئيسياً لهذا المشروع. بالنسبة لإيران، يمثل التوسع نحو تحقيق هدف 20 غيغاواط من الطاقة النووية حلاً استراتيجياً طويل الأمد. هذا التحول سيُخفف الضغط على موارد الغاز والديزل المحلية، ويُعزز من استقرار الشبكة، وربما يتيح فرصة لتحرير صادرات الطاقة التقليدية.
من الناحية الداخلية، يُعدّ هذا الإنجاز، الذي صرّح به المسؤولون الإيرانيون، مكسباً سياسياً للحكومة يعكس قدرتها على تحقيق التنمية الصناعية.
البعد الجيوسياسي: تعزيز محور المقاومة المشترك
يتجاوز التعاون النووي كونه مجرد صفقة تجارية ليصبح دليلاً على تماسك الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وطهران.
ويمنح هذا المشروع روسيا نفوذاً اقتصادياً وتقنياً مستداماً في إيران، يمتد ليشمل عقود البناء، توريد الوقود، الصيانة، والتدريب. فبالنسبة لموسكو، تُستخدم هذه الصفقة كأداة قوية لدعم موقفها الإقليمي وكدليل على قدرتها على كسر العزلة الاقتصادية التي يفرضها الغرب. هذا التحدي الدبلوماسي-التقني يُعتبر رداً مباشراً على محاولات واشنطن والقوى الأوروبية لتقييد النفوذ الروسي والإيراني.
وهذا هو ما أشار إليه تقرير مؤسّسة RAND والذي جاء فيه أن روسيا ترى في إيران “شريكاً قريباً” يمكن أن يساعدها في كسر عزلة العقوبات، بينما تُتيح هذه الشراكة لإيران فرصة للحصول على التكنولوجيا والخبرة في قطاع الطاقة النووية.
قضايا عدم الانتشار والديناميكيات الإقليمية
رغم تأكيد كل من روسيا وإيران على الطابع السلمي للمشروع، فإن توسيع البنية التحتية النووية بهذا الحجم يثير حتماً تساؤلات حول سلسلة الوقود، لا سيما عمليات تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود المستهلك، خاصة إذا ما صاحب التوسع تطويرات في القدرات المحلية.
هذا التطور يزيد من حساسية الدول الغربية تجاه البرنامج الإيراني. ونظراً لتزامن الإعلان مع مفاوضات دولية مستمرة، تبقى احتمالات تصاعد التوتر الدبلوماسي حقيقية، ما يتطلب مراقبة دقيقة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ولقد أشارت منصة Foreign Affairs إلى مخاوف من أن التوسع في التعاون النووي الروسي-الإيراني لا يكون فقط لأغراض إنتاج الكهرباء، بل قد يكون مصحوباً بتطوير في قدرات ذات استخدام مزدوج (dual-use) قد تُستخدم في مجالات عسكرية، أو على الأقل تعطي إيران “حالة عتبة” نووية (threshold state) قوية.
التحديات القانونية والمالية والعملية
تُشكّل العقوبات الغربية المفروضة على طهران عقبة رئيسية، إذ قد تُعقّد التمويل، استيراد المكونات الحساسة، وتأمين السلاسل اللوجستية. على الرغم من أن روسيا لديها آليات تجارية مُكيّفة لتجاوز مثل هذه القيود، إلا أن المخاطر المالية (بما في ذلك التكاليف المرتفعة والتأخيرات والاعتماد التكنولوجي الأحادي) تظل قائمة. علاوة على ذلك، يتطلب التنفيذ العملي عقوداً مفصّلة، وتقييمات أمنية صارمة، وإجراءات آمنة لـ نقل وإدارة الوقود النووي.
وعليه فيمثل الاتفاق تطوراً استراتيجياً مزدوج الأثر: فهو يعالج حاجة إيران المُلحة للطاقة ويعمّق شراكتها مع شريك موثوق (روسيا)، ولكنه في الوقت ذاته، يغيّر حسابات النفوذ الإقليمي ويزيد من تعقيد ملف عدم الانتشار النووي. سيظل المسار المستقبلي لهذا المشروع رهناً بمدى الشفافية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتفاصيل التقنية والمالية للاتفاق، وقدرة اللاعبين الدوليين والإقليميين على صياغة استجابة دبلوماسية أو سياسية فعالة.