نتنياهو يرفض الاعترافات الدولية بدولة فلسطين: “لن نسمح بقيام دولة إرهابية”

في تصريح صلب يعكس تصاعد التوترات الدبلوماسية، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأربعاء 24 سبتمبر 2025، أن إسرائيل لن تعترف بأي شكل من الأشكال بالقرارات الأخيرة التي اتخذتها عدة دول غربية للاعتراف بدولة فلسطين، واصفاً إياها بـ”الاستسلام المخزي للإرهاب الفلسطيني”.
وأكد في بيان صادر عن مكتبه أن “دولة فلسطينية لن تقوم”، مشدداً على التزام إسرائيل بسياساتها الحالية، بما في ذلك تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية لمنع إقامة ما أسماه “كيان إرهابي” يهدد الأمن القومي الإسرائيلي.
سياق الإعلان
جاءت تصريحات نتنياهو قبل ساعات من سفره إلى نيويورك للمشاركة في الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث من المقرر أن يلقي خطاباً يوم الجمعة 26 سبتمبر 2025، ويلتقي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض يوم الإثنين 29 سبتمبر، قبل عودته إلى إسرائيل في اليوم التالي.
وخلال اجتماع الحكومة الأسبوعي، أشار نتنياهو إلى أن إسرائيل ستواصل “معركتها الدبلوماسية” في الأمم المتحدة وغيرها من المنصات الدولية لمواجهة ما وصفه بـ”الدعاية المغلوطة” التي تدعم إقامة دولة فلسطينية، والتي اعتبرها “مكافأة للإرهاب” في ظل استمرار الصراع في غزة.
موجة الاعترافات الدولية
خلال يومي 21 و22 سبتمبر 2025، أعلنت 11 دولة، بينها ست دول أوروبية، اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، ليرتفع عدد الدول المعترفة بها إلى حوالي 159 دولة من أصل 193 عضواً في الأمم المتحدة.
شملت هذه الدول فرنسا، بلجيكا، إسبانيا، البرتغال، لوكسمبورغ، مالطا، موناكو، أندورا، بالإضافة إلى بريطانيا، كندا، وأستراليا.
جاءت هذه الخطوات في إطار قمة دولية نظمتها فرنسا والسعودية على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، بهدف دعم “حل الدولتين” وإنهاء الحرب المستمرة في غزة منذ أكتوبر 2023، مع التركيز على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كجزء من عملية سلام إقليمية.
حاول نتنياهو خلال الأسابيع الماضية منع هذه الاعترافات من خلال ضغوط دبلوماسية مكثفة، حيث تواصل مع قادة مثل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني، لكن جهوده باءت بالفشل.
وقد أرجع مراقبون هذا التحرك إلى الضغط الشعبي المتزايد في الدول الغربية، والإحباط من استمرار الحرب في غزة، التي أسفرت عن خسائر بشرية ومادية كبيرة.
وفي هذا السياق، أكد ستارمر أن “إقامة دولة فلسطينية حق غير قابل للنقاش”، بينما وصف ماكرون الاعتراف بأنه “التزام تاريخي” يدعم وقف إطلاق النار وإعادة إطلاق مفاوضات السلام.
موقف الولايات المتحدة
أعربت الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لإسرائيل، عن رفضها لهذه الاعترافات، واصفة إياها بـ”اللفتات الاستعراضية”. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية قوله إن “التركيز يجب أن يبقى على الدبلوماسية الجادة وليس الإجراءات الرمزية”.
وأضاف أن أولويات واشنطن تشمل إطلاق سراح الرهائن في غزة، وضمان أمن إسرائيل، وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا “بزوال حماس”.
من جانبها، أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت أن الرئيس ترامب يعارض بشدة الاعتراف بدولة فلسطينية في الوقت الحالي، معتبراً أنها “لا تساهم في إطلاق سراح الرهائن”، وهو الهدف الأساسي لواشنطن.
وأضافت ليفيت أن ترامب يرى هذه الاعترافات “مكافأة لحماس”، مشيرة إلى تصريحاته خلال زيارته الأخيرة إلى المملكة المتحدة، حيث وقف إلى جانب ستارمر وأعرب عن استيائه من هذه الخطوات، واصفاً إياها بأنها “مجرد كلام فارغ دون أفعال ملموسة” من بعض حلفاء الولايات المتحدة.
ردود الفعل داخل إسرائيل
لاقت تصريحات نتنياهو تأييداً واسعاً داخل إسرائيل، حيث اتفق الائتلاف الحاكم والمعارضة على وصف الاعترافات بأنها “مكافأة للإرهاب”، خاصة في ظل استمرار احتجاز حوالي 48 رهينة إسرائيلياً في غزة منذ هجوم 7 أكتوبر 2023، الذي أودى بحياة حوالي 1200 شخص.
دعا وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير إلى اتخاذ “إجراءات صلبة”، بما في ذلك ضم أجزاء من الضفة الغربية، بينما وصف رئيس الكنيست أمير أوهانا موقف ستارمر بأنه “خضوع مخجل”.
من جانب آخر، أعربت عائلات الرهائن عن غضبها، معتبرة أن الاعترافات تمثل “تجاهلاً لمعاناة الرهائن”.
في المقابل، حذر محللون سياسيون إسرائيليون، مثل يائير غولان، من أن سياسة نتنياهو قد تعمق عزلة إسرائيل دولياً، خاصة مع تصاعد الدعم العالمي لحل الدولتين.
وأشاروا إلى أن إعلانات مثل ضم أجزاء من الضفة الغربية قد تهدد التحالفات الإقليمية، مثل اتفاقيات إبراهيم مع دول عربية، وتزيد من التوترات مع الدول الغربية الحليفة.
تداعيات إقليمية ودولية
تأتي هذه التطورات في وقت حساس، حيث تسعى السعودية وفرنسا إلى تعزيز مبادرة “إعلان نيويورك” لدعم حل الدولتين، والذي تلقى تأييداً واسعاً خلال القمة الدولية.
وأشاد ماكرون بدور السعودية في إقناع العديد من الدول بالتوقيع على الإعلان، مؤكداً أن “الاعتراف بدولة فلسطين خطوة ضرورية للسلام العادل”.
في المقابل، تواجه إسرائيل ضغوطاً متزايدة للعودة إلى طاولة المفاوضات، وسط دعوات دولية لوقف إطلاق النار في غزة وإيجاد حل سياسي مستدام.
تصريحات نتنياهو تعكس استمرار النهج المتشدد للحكومة الإسرائيلية، مما ينذر بمزيد من التصعيد الدبلوماسي والإقليمي، خاصة مع تزايد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية وتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة.