مقالات

داعش- خراسان في باكستان: تهديد عابر للحدود أم تحدٍّ داخلي؟

بقلم: د. محمد محمدي توفيق

لم يعد نشاط داعش-ولاية خراسان محصورًا في أفغانستان أو المناطق الحدودية، بل بات يمثل معضلة أمنية وسياسية واجتماعية متشابكة داخل باكستان نفسها، حيث تتقاطع طموحات التنظيم العابرة للحدود مع ثغرات داخلية عميقة يستغلها بذكاء لتثبيت حضوره.

فمنذ ظهوره في 2015 بصفته فرعًا رسميًا لتنظيم داعش يضم منشقين من طالبان باكستان وغيرهم، لم يتوقف التنظيم عن تطوير أدواته وتوسيع رقعة عملياته على نحو يُربك أجهزة الدولة الباكستانية.

ففي الآونة الأخيرة، تكثفت هجمات التنظيم بشكل لافت. ففي فبراير 2025، وقع تفجير انتحاري في مسجد دار العلوم حقّانية في أكورا ختاك بولاية خيبر بختونخوا خلال صلاة الجمعة، وأسفر عن مقتل الأستاذ الديني المعروف مولانا حامد الحق حقّانية وعدد من المصلين وإصابة آخرين، وقد جمعت السلطات الأمنية أدلة على أن منفذي هذا الهجوم ربما تسللوا عبر معسكرات اللاجئين الأفغان، وهو ما أثار قلقًا كبيرًا من أن داعش-خراسان يستفيد من الحدود الهشة والنظام السكني غير المنظم لتجنيد وتدريب عناصره.

وفي أبريل الماضي أعلن التنظيم مسؤوليته عن هجوم أسفر عن مقتل ثلاثة من عناصر الشرطة في إقليم بلوشستان، ثم عاد في يوليو ليستهدف سوقًا مكتظة في باجوربولاية خيبر بختونخوا مُوقعًا أربعة قتلى و11 جريحًا، بينهم أفراد من الأجهزة الأمنية.

أما في أغسطس فقد نفّذ تفجيرًا دمويًا خلال تجمع سياسي للحزب الوطني البلوشي في كويتا، أودى بحياة 15 شخصًا وأشعل موجة احتجاجات صاخبة انتهت بمواجهات مع الشرطة واعتقال العشرات.

وفي سبتمبر الجاري، استهدف التنظيم ملعبًا للكريكت في منطقة خار، مخلفًا قتيلًا وعددًا من الجرحى بينهم طفل، قبل أن تكشف إدارة مكافحة الإرهاب عن مخطط أشد خطورة كان يستهدف شخصيات سياسية بارزة مثل رئيس حزب جمعية علماءالإسلاممولانا فضل الرحمن، وزعيم الحزب الوطنيالبشتونيأيمل ولي خان، حيث قُتل ثلاثة من عناصر داعش في اشتباك مسلح فيما فرّ قائد المجموعة “فضل نور” إلى جهة مجهولة. المعلومات الأمنية أشارت إلى أن هؤلاء تلقوا تدريبات متقدمة في ولاية بكتيا الأفغانية، وكانوا يخططون لتنفيذ سلسلة عمليات متزامنة لإرباك المشهد السياسي مع اقتراب الانتخابات العامة.

هذه الهجمات تؤكد أن داعش-خراسان لا يكتفي باستهداف الأقليات أو استغلال النزعات الطائفية فحسب، بل ينظر إلى ضرب الرموز السياسية والدينية كوسيلة استراتيجية لتعطيل المسار الديمقراطي وإشاعة الفوضى. تفجير الحفل السياسي في باجور عام 2023، الذي استهدف تجمعًا لجماعة علماء الإسلام، عكس بوضوح هذا النهج؛ إذ لم يكن الهدف طائفيًا بقدر ما كان رسالة بأن التنظيم قادر على اختراق التجمعات الشعبية واستهداف الكتل السياسية التقليدية التي تمثل تحديًا لخطابه المتشدد؛ لعلّ أحد أهم أبعاد هذا التحدي هو توقيت النشاطات والتكتيكات التي يستخدمها داعش-خراسان.

فغالبية عمليات التنظيم تأتي في أوقات ضعف حكومي أو أثناء الانتخابات العامة، وهو ما يخدم أهدافه في زرع الخوف والتأثير على الساحة العامة، مما قد يؤثر في المشاركة الشعبية أو يضعف ثقة المواطنين بالدولة وقدراتها الأمنية.

في المقابل، تحاول الدولة الباكستانية احتواء الخطر عبر مداهمات أمنية واسعة وتنسيق إقليمي ودولي، أبرزها التعاون مع الولايات المتحدة في ملف تبادل المعلومات ومكافحة الإرهاب.

لكن المشهد على الأرض يكشف أن المواجهة الأمنية وحدها غير كافية؛ فالتنظيم يستفيد من هشاشة البنية التحتية الأمنية في مناطق الأطراف، وضعف الخدمات العامة، وغياب فرص العمل، ليقدّم نفسه بديلًا للشباب المهمشين الذين يشعرون أن الدولة خذلتهم.

هذا التداخل بين العامل الخارجي أي استخدام الأراضي الأفغانية كمركز تدريب وتخطيط والعامل الداخلي المتعلق بالتهميش والفراغات الأمنية، هو ما يجعل داعش-خراسان أكثر تعقيدًا من مجرد تنظيم وافد عبر الحدود، وهو بهذا يرسّخ صورة نفسه كتهديد متعدد الأبعاد، عابر للحدود من جهة، ومتجذر في ثغرات الداخل من جهة أخرى.

ومع اقتراب باكستان من استحقاقات انتخابية جديدة، تبدو الحاجة ملحّة إلى استراتيجية شاملة لا تقتصر على مطاردة العناصر المسلحة، بل تشمل تحصين المجتمع ضد الخطاب الطائفي، وتعزيز التنمية المحلية في المناطق الحدودية، وإيجاد خطاب ديني بديل يقوده علماء معتدلون قادرون على تحجيم دعاوى التكفير والتشدد.

من دون هذه المقاربة المتكاملة، سيظل داعش-خراسان لاعبًا خطيرًا على الساحة الباكستانية، يتغذى على التناقضات الداخلية كما يستفيد من التمدد الإقليمي.

وختامًا، يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن مواجهة هذا التنظيم الخطير لا ينبغي أن تكون أمنية فقط، بل فكرية وثقافية ومجتمعية أيضًا. فالوعي بخطورة الخطاب الطائفي، ودعم مبادرات التعليم والتماسك المجتمعي، وتعزيز دور العلماء المعتدلين في توعية الشباب، هي أدوات أساسية لا تقل أهمية عن العمليات الأمنية في إضعاف جاذبية التنظيم. إن باكستان اليوم أمام اختبار حقيقي، والنجاح في تجاوزه يتوقف على قدرتها في الجمع بين الحزم الأمني والإصلاح الاجتماعي والفكري، وهو ما يتوافق مع رسالته الداعية إلى ترسيخ السلام ومواجهة التطرف بكافة أشكاله.

المقال بقلم: د. محمد محمدي توفيق، مدرس اللغة الأردية بكلية اللغات والترجمة، ومنسق وحدة الرصد باللغة الأردية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى