رد منظمة الصحة العالمية على تصريحات ترامب حول الباراسيتامول واللقاحات والتوحد

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، عن “خطة عمل للتوحد”، مشدداً على أن استخدام الباراسيتامول (المعروف باسم الأسيتامينوفين أو تايلينول في الولايات المتحدة) أثناء الحمل يرتبط بزيادة خطر الإصابة باضطراب طيف التوحد لدى الأطفال.
كما شكك في فاعلية اللقاحات، مدعياً أن جدول التطعيمات الحالي “يحمل الطفل كميات كبيرة من السوائل والمواد”، وأن الأشخاص غير الملقحين (مثل مجتمع الأميش أو في كوبا) لا يصابون بالتوحد.
كان هذا الإعلان جزءاً من وعد سابق من إدارة ترامب بكشف أسباب “وباء التوحد” في غضون أشهر، وشارك فيه وزير الصحة روبرت إف كينيدي جونيور، الذي يُعرف بانتقاده السابق للقاحات.
أعلنت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) بدء عملية تغيير تسمية الباراسيتامول لتحذير من مخاطره، وأطلقت حملة توعية عامة، مع اقتراح استخدام دواء “ليوكوفورين” (شكل من حمض الفوليك) كعلاج محتمل لأعراض التوحد، رغم عدم وجود أدلة قوية.
ترامب وصف الباراسيتامول بأنه “ليس جيداً”، ونصح النساء الحوامل بتجنبه إلا في حالات الحمى الشديدة، مدعياً أنه يسبب اضطرابات عصبية مثل التوحد وفرط الحركة ونقص الانتباه.
كما أشار إلى أن معدلات التوحد ارتفعت بنسبة 400% منذ عام 2000 (من 1 في 150 طفلاً إلى 1 في 31 في الولايات المتحدة)، وألقى اللوم على العوامل البيئية مثل اللقاحات والأدوية، مع اقتراح تأخير لقاح التهاب الكبد B للحديثي الولادة.
رد منظمة الصحة العالمية (WHO)
في 23 سبتمبر 2025، ردت منظمة الصحة العالمية خلال مؤتمر صحفي دوري في جنيف، عبر ناطقها طارق جاساريفيتش، على تصريحات ترامب.
أكدت المنظمة أن “بعض الدراسات الملاحظية أشارت إلى ارتباط محتمل بين التعرض للباراسيتامول قبل الولادة والتوحد، لكن الأدلة لا تزال غير متسقة”، وأن “لم تثبت العديد من الدراسات وجود مثل هذه العلاقة”.
دعت إلى “الحذر قبل الاستنتاج بوجود علاقة سببية”، مشددة على أن الباراسيتامول يظل الخيار الأكثر أماناً لعلاج الألم والحمى لدى الحوامل، مقارنة بالأدوية الأخرى مثل الأسبرين أو الإيبوبروفين، التي محظورة خاصة في الأشهر الأخيرة من الحمل.
أما بالنسبة للقاحات، فقال جاساريفيتش: “اللقاحات تنقذ الأرواح، نحن نعلم ذلك. اللقاحات لا تُسبب التوحد”، مضيفاً أنها “أنقذت أرواحاً لا تُحصى”، وأن “العلم أثبت ذلك، ولا ينبغي التشكيك فيه”. حذر من أن تأخير جدول التطعيمات يزيد المخاطر على الأطفال والمجتمعات بأكملها، وذكّر بأن “العلم موجود لتقديم الأدلة التي تُوجّه السياسات حول العالم”.
كما أشار إلى أن حوالي 62 مليون شخص يعانون من اضطراب طيف التوحد عالمياً، ودعا إلى مضاعفة الجهود لفهم أسبابه الحقيقية.
الأدلة العلمية حول الباراسيتامول والتوحد
الأدلة العلمية مختلطة، لكن الإجماع يميل إلى عدم وجود رابط سببي قوي:
– دراسات تشير إلى ارتباط محتمل: مراجعة نشرت في أغسطس 2025 من جامعة هارفارد ومدرسة ماونت سيناي للطب، شملت 46 دراسة (8 منها عن التوحد)، أشارت إلى زيادة مخاطر الاضطرابات العصبية بنسبة 20-30% مع الاستخدام المتكرر أثناء الحمل. دراسة سويدية عام 2024 (2.5 مليون طفل) وجدت ارتباطاً، لكنها لم تثبت السببية.
– دراسات تنفي الرابط: دراسة سويدية أخرى عام 2024 (2.4 مليون ولادة) استخدمت بيانات الأشقاء ولم تجد رابطاً سببياً بين التعرض داخل الرحم والتوحد أو ADHD. الـ FDA أكدت أن “العلاقة السببية غير مثبتة، وهناك دراسات متناقضة”.
– التوصيات الطبية: يُنصح بالباراسيتامول كأكثر الأدوية أماناً للحوامل (في دوليبرين، دافالغان، تايلينول)، لكن بأقل جرعة فعالة ومدة قصيرة. الحمى غير المعالجة أخطر على الجنين (تزيد مخاطر الإجهاض أو العيوب الخلقية).
بالنسبة للقاحات، أكدت عشرات الدراسات على مدى 25 عاماً عدم وجود رابط مع التوحد، وأنها تنقذ ملايين الأرواح سنوياً.
ردود الفعل العالمية والمحلية
– الاتحاد الأوروبي وبريطانيا: أكدت وكالة الأدوية الأوروبية (EMA) أن “الأدلة المتاحة لم تجد صلة بين الباراسيتامول والتوحد”، وأن الدواء آمن عند الحاجة. هيئة تنظيم الرعاية الصحية البريطانية (MHRA) شددت على سلامته، وقال وزير الصحة البريطاني ويس ستريتينج: “أثق بالأطباء أكثر من ترامب… لا دليل على الرابط”.
– الولايات المتحدة: الجمعية الأمريكية للطب النفسي والأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال رفضتا الادعاءات، مشددتين على عدم توصية ليوكوفورين كعلاج للتوحد. شركة كينفيو (صانعة تايلينول) قالت: “العلم يظهر بوضوح أن الأسيتامينوفين لا يسبب التوحد”.
– أستراليا والعالم: السلطات الأسترالية أكدت سلامة الباراسيتامول، ووصفت الادعاءات بـ”غير مدعومة علمياً”. خبراء مثل فيكتور أهلكفيست (مؤلف دراسة سويدية) قالوا إن الإدارة “أساءت فهم الأدلة”.
– على منصة X (تويتر): انتشرت المنشورات بالإنجليزية بشكل أكبر، مع انتقادات لترامب (مثل وصفه بـ”الجهل” أو ربطه بـ”نظريات المؤامرة”)، ودعم لرد الـWHO. بعض المنشورات العربية أعادت نشر الخبر من مصادر مثل سكاي نيوز عربية، مع تركيز على الرفض العلمي.
أسباب التوحد الحقيقية وفق العلماء
ينفي العلماء وجود “وباء” حقيقي، مشيرين إلى أن الارتفاع في التشخيصات يعود إلى تحسين الوعي والتشخيص، وتوسيع تعريف الاضطراب.
الأسباب متعددة: عوامل وراثية (أكثر من 100 جين متورط)، بيئية (تلوث الهواء، عدوى في الحمل)، لكن ليس اللقاحات أو الباراسيتامول بشكل قاطع. يُقدر أن 1 في 36 طفلاً أمريكياً مصاب، و62 مليون عالمياً.
التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية
انخفض سهم شركة كينفيو بنسبة 7% بعد الإعلان، ثم تعافى بنسبة 5% بعد ردود الفعل العلمية. أثار الخبر مخاوف من انخفاض ثقة الجمهور في اللقاحات، خاصة مع حملات كينيدي السابقة.