شبح “آلية الزناد” يعود من جديد.. هل ينهار الاتفاق النووي الإيراني نهائيًا؟

كتبت: إسراء جبريل
في كواليس السياسة الدولية، يلوح شبح “آلية الزناد” من جديد، هذه الآلية التي تعني ببساطة إعادة جميع العقوبات الأممية على إيران بمجرد اتهامها بعدم الالتزام بالاتفاق النووي، قد تتحول في أي لحظة إلى أداة ضغط قاتلة بيد الأوروبيين.
فهل نحن أمام خطوة أوروبية جريئة تعيد طهران إلى العزلة الكاملة، أم مجرد تهديد محسوب لإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات؟
ماذا نعرف عن آلية الزناد؟
آلية الزناد (Snapback Mechanism) هي أداة دبلوماسية وُضعت في القرار 2231 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2015، والذي صادق على الاتفاق النووي الإيراني، المعروف بـ “خطة العمل الشاملة المشتركة” (JCPOA).
تتيح هذه الآلية لأي طرف مشارك في الاتفاق، بما في ذلك الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا)، أن يرفع شكوى ضد إيران إذا اعتبر أنها لا تلتزم ببنود الاتفاق.
في حال فشل المشاورات خلال فترة زمنية محددة (30 يومًا)، يمكن للطرف المشتكي أن يعيد طرح الموضوع في مجلس الأمن. وإذا لم يتمكن المجلس من اتخاذ قرار بالإبقاء على رفع العقوبات، تُفعَّل تلقائيًا جميع العقوبات الأممية التي كانت مفروضة على إيران قبل الاتفاق.
خلفية الأزمة الحالية
بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 وإعادة فرض عقوباتها القصوى، بدأت إيران في تقليص التزاماتها النووية تدريجيًا.
أظهرت تقارير حديثة للوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) أن إيران مستمرة في تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية تصل إلى 60%، مما أثار قلق الأوروبيين.
العد التنازلي وإعادة فرض العقوبات
في 19 سبتمبر 2025، رفض مجلس الأمن مشروع قرار كان من شأنه أن يمنع إعادة فرض العقوبات على إيران، مما فتح الطريق أمام تفعيل “آلية الزناد”.
بدأت الدول الأوروبية الثلاث (E3) العد التنازلي منذ 28 أغسطس 2025، ما يعني أن المهلة القانونية (30 يومًا) تنتهي عمليًا بين 27-30 سبتمبر 2025. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق قبل انتهاء المهلة، ستعود جميع العقوبات الدولية التي كانت سارية قبل عام 2015 بشكل تلقائي.
تشمل هذه العقوبات مجموعة واسعة من القيود، مثل:
- حظر كامل على تجارة السلاح والمواد الحساسة.
- قيود على برنامج الصواريخ الباليستية والأنشطة ذات الاستخدام المزدوج.
- قيود تقنية وقانونية على تخصيب وإعادة معالجة اليورانيوم.
- تجميد الأصول وتوسيع قوائم حظر السفر.
- تشديد الرقابة على الشحن الجوي والبحري الإيراني.
تداعيات العقوبات المحتملة
تعود شبحية العقوبات الأممية لتطل برأسها مجددا، وهذه المرة، تحمل في طياتها ما هو أخطر من مجرد ضغط سياسي، فهي تمنح العقوبات الأمريكية شرعية دولية، وتجب حتى أقرب حلفاء إيران، كالصين وروسيا، على إعادة حساباتهم، والتفكير مليا قبل مواصلة التعامل مع طهران.
إن الأثر الاقتصادي لهذه الخطوة سيكون فوريًا وقاسيًا، فمن المتوقع أن تسارع الشركات والبنوك إلى الانسحاب من إيران، وتهوي صادرات النفط إلى مستويات غير مسبوقة.
وقد تترجم هذه التداعيات إلى انهيار جديد للعملة الإيرانية التي تعاني أصلا من أزمة حادة، حيث بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي اليوم الثلاثاء نحو 106 آلاف تومان إيراني. ورغم نفي مركز الأبحاث التابع للغرفة التجارية الإيرانية لتقرير سابق تحدث عن توقعات كارثية، إلا أن الأفق يبدو مظلما، مع احتمال قفز الدولار إلى 165 ألف تومان، وتصاعد التضخم إلى 90%، ودخول الاقتصاد في دائرة النمو السلبي.
ولا يقتصر الأثر على الجانب المالي فقط، بل يمتد إلى الجانب الإنساني، فصعوبة الحصول على الأدوية والمعدات الطبية ستصبح واقعا مؤلما، مما يهدد حياة الفئات الأكثر ضعفا، وهو سيناريو تكرر في جولات العقوبات السابقة ووثقته منظمات دولية مثل “هيومن رايتس ووتش”.
أما على الصعيد السياسي، فإن تفعيل “آلية الزناد” لا يعني إلا نهاية الاتفاق النووي (JCPOA)، وانهيار كل جهود التفاوض. وقد يكون رد فعل إيران حادا، يتراوح ما بين تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وصولا إلى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، مما يدخل المنطقة في دائرة جديدة من التوتر، قد تفضي إلى تصعيد أمني عبر هجمات إلكترونية، أو استهداف الملاحة ومنشآت الطاقة الحيوية.
السيناريوهات المحتملة
يرى مراقبون أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مصير الاتفاق النووي، بين خيار التصعيد الكامل الذي قد يفتح الباب أمام مواجهة جديدة، أو البحث عن تسوية مؤقتة تضمن تجنّب الانفجار الإقليمي.
في ظل هذه التطورات، تتعدد السيناريوهات المحتملة للمستقبل القريب:
- تسوية دبلوماسية في اللحظات الأخيرة (احتمال منخفض–متوسط): اتفاق فني سريع (ضمانات وصول آمان للمفتشين، خطوات لتقليص مخزون اليورانيوم) يقنع E3 بتأجيل إعادة العقوبات.
- عودة جزئية/منهجية للعقوبات (احتمال متوسط): إعادة قيود محددة (عسكرية/مالية) مع تفاوت في تنفيذها بين الدول بسبب مواقف روسيا/الصين.
- عودة كاملة للعقوبات (Snap-back) ورد فعل إيراني قوي (احتمال مرتفع): إعادة كاملة لملفات 2006–2010؛ طهران قد تقلص التعاون مع الوكالة أو تلوّح بخيارات أكثر دراماتيكية سياسياً.
- نزاع قانوني–دبلوماسي مطوّل (احتمال متوسط): سجالات في مجلس الأمن، محاولات قانونية وتدخلات وساطية من دول إقليمية (عُمان، قطر) أو الصين.