تقارير

مصر وتركيا: تحالف استراتيجي جديد يعزز النفوذ الإقليمي ويثير قلق إسرائيل!

كتبت: هدير البحيري

تشهد مياه شرق البحر المتوسط، الاثنين، انطلاق مناورات “بحر الصداقة” البحرية المشتركة بين مصر وتركيا، بعد توقف دام 13 عامًا، في خطوة تعكس مستوى التقارب المتسارع بين القاهرة وأنقرة، وتؤكد عودة الشراكة العسكرية بين البلدين إلى الواجهة من جديد.

عودة بعد انقطاع طويل

وكانت هذه المناورات قد بدأت للمرة الأولى عام 2009 في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، واستمرت حتى عام 2013 قبل أن تتوقف جراء التوترات السياسية بين البلدين.

وقد جسدت في بداياتها مرحلة وفاق لافت، وهدفت إلى رفع مستوى التنسيق العملياتي وتوحيد التكتيكات الميدانية بين البحريتين المصرية والتركية.

وتُجرى التدريبات الحالية في الفترة ما بين 22 و26 سبتمبر الجاري بمشاركة واسعة من فرقاطات وغواصات وزوارق هجومية وطائرات مقاتلة “إف-16″، بحضور قائدي القوات البحرية في البلدين خلال “يوم المراقبين المميز”، ما يعكس الطابع الاستراتيجي للمناورات.

رسائل سياسية وعسكرية

أعلنت وزارة الدفاع التركية أن المناورات تأتي في إطار “تعزيز قابلية العمل المشترك بين القوات المسلحة وتطوير العلاقات الثنائية”.

ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل تتويجًا لمسار المصالحة بين القاهرة وأنقرة، الذي انطلق منذ عامين، وتُوج باتفاقيات دفاعية وصناعية مشتركة، أبرزها توقيع عقد لإنتاج الطائرة المسيرة التركية “تورخا” محليًا في مصر.

وأكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في تصريحات متلفزة الأسبوع الماضي، أن “العلاقات مع مصر وصلت اليوم إلى أفضل مستوياتها في التاريخ الحديث”، واصفًا الخلافات السابقة بأنها كانت “عتاب أحباء”.

تعاون يتجاوز المناورات

لم يقتصر التعاون العسكري على التدريبات البحرية، بل امتد إلى توقيع اتفاقيات لتصنيع المركبات الأرضية غير المأهولة بين شركة “هافيلسان” التركية ومصنع “قادر” التابع لوزارة الإنتاج الحربي المصرية، إلى جانب البحث في مشاريع مشتركة لإنتاج حاملات الطائرات وأسلحة الحرب الإلكترونية.

كما نفذ البلدان في مايو الماضي تدريبًا مشتركًا لوحدات القوات الخاصة على الأراضي التركية.

وفي مطلع العام الجاري، أعلنت القاهرة عن شراء المسيرة التركية “بيرقتار تي بي 2″، ما يعكس تنامي الثقة المتبادلة في المجال الدفاعي.

اللواء سمير فرج لـ”داي نيوز”: التعاون العسكري بين مصر وتركيا يثير قلق إسرائيل

قال الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء الدكتور سمير فرج، في تصريحات خاصة لـ”داي نيوز” إن التعاون الدفاعي بين مصر وتركيا يمثل خطوة استراتيجية بالغة الأهمية للطرفين، مؤكدًا أن “مصر وتركيا تُعدان أقوى قوتين عسكريتين في منطقة الشرق الأوسط؛ فتركيا تمتلك جيشًا قويًا وصناعات حربية متقدمة، وهو ما انعكس في صفقة شراء مصر للطائرة المُسيرة “بيرقتار”، وكذلك في الاتفاق على التصنيع المشترك للطائرة المُسيرة العمودية في مصنع “قادر”، التي تتميز بقدرتها على الإقلاع العمودي”.

وأوضح اللواء فرج أن التعاون مع تركيا يتيح لمصر فرصة التدريب مع جيش ذي خبرة واسعة، بينما تستفيد أنقرة بشكل خاص من القدرات البحرية المصرية المتقدمة، التي تحتل المرتبة السادسة عالميًا.

ولفت إلى أن البحرية المصرية شهدت طفرة نوعية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث عززت قدراتها بقطع استراتيجية نوعية، من بينها حاملتا المروحيات من طراز “ميسترال” من فرنسا، وأربع غواصات حديثة من ألمانيا، إحداها يُجرى تصنيعها في مصر، فضلًا عن فرقاطات متطورة من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.

وأشار اللواء فرج إلى أن مصر أنشأت خلال السنوات الماضية أسطولين بحريين، شمالي وجنوبي، وهو ما عزز مكانتها كقوة بحرية مؤثرة في المنطقة، مذكرًا بالدور التاريخي للبحرية المصرية في حرب عام 1967، عندما استخدمت صواريخ سطح-سطح لأول مرة على مستوى العالم، ونجحت في إغراق المدمرة البحرية الإسرائيلية “إيلات”، الأمر الذي غير مفاهيم التسليح والتكتيك البحري على المستوى الدولي.

وأكد أن تركيا ستكون المستفيد الأكبر من تراكم هذه الخبرات القتالية والبحرية.

وتابع الخبير الاستراتيجي قائلًا: “التعاون الدفاعي بين مصر وتركيا يحمل مكاسب متبادلة لكلا الجيشين. ففي الوقت الراهن يتركز التعاون على مجال المُسيرات، ومن المرجح أن يمتد إلى مجالات أخرى في المستقبل، في ظل امتلاك البلدين صناعات عسكرية متطورة”.

وكشف اللواء فرج أنه خدم ثلاث سنوات ملحقًا عسكريًا لمصر في تركيا، قائلًا: “أعرف جيدًا قوة الجيش التركي وامتيازاته. فهو يمتلك واحدة من أبرز الترسانات البحرية في العالم في جولجوك (شمال غرب تركيا)، حيث تُصنع معظم القطع البحرية الرئيسية”.

وأضاف أن مصر بدورها بدأت هذا العام تصنيع الفرقاطة الألمانية محليًا، إلى جانب إنتاج الصواريخ الطوربيدية وزوارق المرور، وهو ما يجعل التعاون الدفاعي بين البلدين ذا أثر استراتيجي بالغ.

وأوضح الخبير الاستراتيجي أن هذا التقارب أثار قلقًا واضحًا في إسرائيل، مشيرًا إلى ما نشرته القناة السابعة الإسرائيلية بشأن أن “التعاون الدفاعي بين مصر وتركيا قد يفتح الباب أمام حصار إسرائيل وموانئها، وحرمانها من استقبال أي أسلحة أمريكية أو دعم خارجي”. وأكد فرج أن “التعاون بين القاهرة وأنقرة، ومع موسكو أيضًا، يسهم في تعزيز قدرات المنطقة على مواجهة التهديدات، وخاصة التهديد الإسرائيلي”.


باحث في العلاقات الدولية
لـ”داي نيوز”: تعاون مصر وتركيا خطوة تاريخية لتعزيز القدرات الإقليمية 

وفي الإطار ذاته، قال الباحث في العلاقات الدولية، محمد ربيع الديهي، في حديث خاص لـ”داي نيوز” إن التعاون الدفاعي بين القاهرة وأنقرة ليس وليد اللحظة، بل له خلفية تاريخية، رغم أن العلاقات شهدت بعض الانقطاع نتيجة التباينات وعدم التوافق السياسي في بعض الأحيان.

وأوضح الديهي أن عودة هذا التعاون تحمل آثارًا إيجابية عديدة على المنطقة، وتعزز من التعاون الإقليمي في ظل التطورات المتلاحقة والتهديدات الأمنية الحالية، فضلًا عن حالة عدم الاستقرار الإقليمي.

وأضاف الديهي أن التعاون الدفاعي المصري التركي يفتح المجال أمام شكل جديد من التعاون الأمني في المنطقة، لمجابهة التحديات الراهنة ومواجهة المخاطر، والبحث عن أطر لتحقيق السلام والاستقرار الإقليمي.

وأوضح أن هذا التحالف من المتوقع أن يعيد ترتيب العديد من الأوراق في المنطقة، خاصة مع الأخذ في الاعتبار أن مصر وتركيا تمثلان من أقوى القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، وأكثرها قوة بناءً على قوة جيوش البلدين، وهو ما سيدفع القوى الدولية إلى إعادة النظر في علاقاتها بدولة الاحتلال الإسرائيلي والدعم المقدم لها، لا سيما أن سياسات إسرائيل تساهم في حالة عدم الاستقرار والصراع في المنطقة.

وأشار الديهي إلى أن الرسائل السياسية التي يرسلها هذا التحالف متعددة، فهي تؤكد على محورية الدور المصري وقدرته على مواجهة أي تحدٍ إقليمي، كما تعكس عمق العلاقات بين مصر وتركيا وتنبئ بمستقبل التعاون بينهما الذي سيشهد تعزيزًا مستمرًا.

وأوضح أن هذا التعاون يأتي في لحظة إقليمية مشحونة، مع الحرب الإسرائيلية على غزة وتصاعد المخاطر على أمن المنطقة.

وأكد الديهي أن التعاون الدفاعي يشكل أيضًا فرصة أمام تركيا لتعزيز علاقاتها بدول الشرق الأوسط، خاصة أن مصر تلعب دورًا إقليميًا مهمًا في هذه المرحلة التاريخية.

وأضاف أن هذا التحالف يظهر أن مصر، بصفتها أكبر قوة إقليمية عربيًا وإسلاميًا، إلى جانب تركيا، تمتلك القدرة على التنسيق الميداني والاستعداد لأي سيناريو طارئ في مواجهة السياسات الإسرائيلية.

وأوضح الديهي أن تركيا تسعى من خلال هذا التعاون إلى الاستفادة من القوات المسلحة المصرية المتقدمة عالميًا، بما يتيح لها التعرف على مسارح عسكرية جديدة في البحر المتوسط. كما يمنح التعاون مصر فرصة للتدريب في بحر مرمرة بالقرب من السواحل التركية، والاستفادة من تطور قدرات قاعدة “جولجوك” البحرية التركية.


محلل سياسي تركي لـ”داي نيوز”: التعاون العسكري بين تركيا ومصر ضرورة استراتيجية وليست رفاهية!

قال الصحفي والمحلل السياسي التركي، علي أسمر، في تصريحات خاصة لـ”داي نيوز” إن التعاون العسكري بين تركيا ومصر ليس رفاهية، بل ضرورة استراتيجية تفرضها الجغرافيا والتحديات الإقليمية.

وأكد أسمر أنه لا يجب أن تكون الملفات الشائكة عائقًا أمام هذا التعاون، خاصة في ظل التوترات العسكرية في المنطقة، حيث من الضروري أن يكون الطرفان جاهزين لجميع السيناريوهات.

وأضاف أسمر أن تشكيل الحكومة التركية بعد الانتخابات شهد زيارات متكررة من قبل وزير الخارجية هاكان فيدان إلى مصر، ما يدل على رغبة الطرفين في رأب الصدع وتحسين العلاقات.

وأوضح أسمر أن وجود ملفات خلافية بين الدول أمر طبيعي، إلا أن استئناف المناورات البحرية المشتركة بين تركيا ومصر سينعكس إيجابيًا على الملفات السياسية ويعزز قنوات الحوار بين البلدين.

ولفت أسمر إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد على أهمية الصناعات الدفاعية المحلية، موضحًا أن “الفرق بين أن تكون على قائمة الطعام أو على طاولة الطعام هو الصناعات الدفاعية”، في إشارة إلى أن امتلاك القدرة الدفاعية الذاتية يمنح الدولة قوة وتأثيرًا في القرارات الاستراتيجية.

وقال أسمر إنه من هذا المنطلق، تسعى تركيا إلى إقامة شراكات عسكرية مع العديد من الدول الغربية والعربية، مؤكدًا على أن مصر تمثل شريكًا مهمًا نظرًا لقوتها العسكرية، لافتًا إلى الأحداث الأخيرة، مثل القصف الإسرائيلي لقطر، أثبتت أهمية الاعتماد على السلاح المحلي الصنع.

واختتم أسمر حديثه بالتأكيد على أن التعاون العسكري بين تركيا ومصر حساس واستراتيجي للغاية، ويمكن أن يسهم في إعادة الثقة الكاملة بين الطرفين.

وأضاف أن هناك تطابقًا في الرؤى بين البلدين في ملفات إقليمية مهمة، مثل غزة، مشيرًا إلى أن التعاون العسكري سيسهم في تخفيف الهيمنة الغربية على المنطقة، وهو ما يعزز المكانة السياسية والاستراتيجية لكل من تركيا ومصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى