إيران وإسرائيل على حافة حرب جديدة.. أوراق القوة والسيناريوهات المحتملة

كتبت: هدير البحيري
مع تزايد التوترات في الشرق الأوسط، يطرح سؤال يفرض نفسه بقوة: هل قد تشتعل حرب جديدة بين إيران وإسرائيل؟
بعد سنوات من المواجهة في الظل والاعتماد على أذرع إقليمية، تحول الصراع في يونيو الماضي إلى مواجهات مباشرة هزت المنطقة، قبل أن توقفها هدنة هشة لم تمس جوهر الأزمة.
اليوم، مع استمرار التجارب الصاروخية والمناورات العسكرية وتصعيد استخدام المسيرات، تبدو قواعد الردع التقليدية أكثر هشاشة، ما يفتح الباب أمام احتمالات مواجهة أكبر، قد تغير توازنات المنطقة بالكامل.
الاتفاق النووي الإيراني والخروج الأمريكي
منذ توقيع الاتفاق النووي الإيراني في 2015 بين إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين، وألمانيا)، التزمت طهران بالحد من برنامجها النووي مقابل رفع جزء من العقوبات الدولية المفروضة عليها. لكن الانسحاب الأحادي للولايات المتحدة من الاتفاق في 2018 أعاد توتر العلاقات الدولية وأدى إلى إعادة فرض عقوبات اقتصادية خانقة على إيران.
وأسهم هذا التطور في تصاعد المخاوف الغربية والإسرائيلية من تجاوز طهران للحدود المسموح بها لتخصيب اليورانيوم، ما أعاد ملف البرنامج النووي إلى صدارة الاهتمام الدولي وجعل أي مواجهة محتملة مع إسرائيل أكثر حساسية وتعقيدًا، خصوصًا في ظل عدم وضوح موقف القوى الكبرى من قدرة إيران على العودة إلى التزاماتها النووية.
صراع الظل الإيراني-الإسرائيلي منذ الألفية الجديدة
ومع تصاعد القلق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني، لا يمكن فهم التوتر الحالي بمعزل عن الصراع الطويل بين إيران وإسرائيل منذ بداية الألفية الجديدة، والذي اتخذ شكل “حرب الظل” عبر دعم كل طرف لأذرعه الإقليمية دون مواجهة مباشرة.
في لبنان، دعمت إيران حزب الله، الذي أصبح قوة عسكرية مؤثرة، بينما ردت إسرائيل بشن غارات جوية على مواقع الحزب.
في غزة، قدمت إيران الدعم لحركة حماس، مما أدى إلى تصعيد التوترات بين الطرفين. أما في سوريا، فقد عززت إيران وجودها العسكري، مما دفع إسرائيل إلى تنفيذ عمليات عسكرية ضد أهداف إيرانية في الأراضي السورية.
هذه الديناميكيات تُظهر كيف أن الصراع بين إيران وإسرائيل قد تجسد في دعم كل طرف لميليشيات وأطراف ثالثة، مما جعل المنطقة ساحة لصراع بالوكالة.
محطات الصراع الإيراني-الإسرائيلي: من المواجهات إلى الأهداف
شهدت السنوات الماضية سلسلة من الحوادث التي شكلت موازين القوى الإقليمية بين إيران وإسرائيل. فقد نفذت إسرائيل غارات جوية متكررة على مواقع إيرانية في سوريا بين عامي 2013 و2025، مستهدفة تعزيز النفوذ العسكري الإيراني ومنع تثبيت قواعد صاروخية بالقرب من حدودها.
في لبنان، شهدت المنطقة تصعيدًا متبادلًا بين حزب الله المدعوم من إيران وإسرائيل، خصوصًا خلال حرب لبنان الثانية عام 2006 وما تلاها من مواجهات، ما أظهر قدرة إيران على تهديد العمق الإسرائيلي عبر وكلائها. كما لعب الدعم الإيراني لحركة حماس والفصائل الفلسطينية في غزة دورًا في إشعال موجات تصعيد متكررة مع إسرائيل خلال الأعوام 2008 و2014 و2021.
إلى جانب ذلك، نفذت إسرائيل عمليات اغتيال واستهداف لشخصيات وعلماء نوويين إيرانيين، وهو ما اعتبرته طهران تصعيدًا مباشرًا وأجج التوتر بين الطرفين. وعلى رأس كل هذه الأحداث، يبرز البرنامج النووي الإيراني، الذي تطمح طهران من خلاله لتطوير قدرات نووية مدنية وعسكرية، ما شكل محور القلق الأساسي لإسرائيل وأدى إلى سلسلة من الهجمات الاستباقية والتهديدات المباشرة.
أما أهداف كل طرف فهي واضحة: تسعى إسرائيل إلى حماية أمنها القومي، ردع النفوذ الإيراني، منع إيران من امتلاك سلاح نووي، والحفاظ على تفوقها العسكري في المنطقة.
في المقابل، تهدف إيران إلى توسيع نفوذها الإقليمي عبر أذرعها، تعزيز الردع ضد إسرائيل، تطوير قدراتها النووية، واستعراض قوتها العسكرية لدعم موقفها السياسي والدبلوماسي.
من حرب الظل إلى المواجهة المباشرة: يونيو نقطة التحول
في يونيو الماضي، تحول الصراع بين إيران وإسرائيل من الحرب بالوكالة إلى مواجهة مباشرة هزت المنطقة.
فقد شنت إسرائيل غارات جوية مكثفة على مواقع عسكرية إيرانية، متهمة طهران بتسريع خطواتها نحو تطوير قدرات نووية.
في هذا الإطار، نفذت إسرائيل عملية أطلقت عليها اسم “الأسد الصاعد“، بدعم أمريكي، استهدفت البرنامج النووي الإيراني مباشرة، عبر تدمير أجهزة الطرد المركزي ومخزونات اليورانيوم المخصب، واستهداف كبار العلماء النوويين.
ورغم اختلاف التقديرات الأمريكية والإسرائيلية حول حجم الضرر، من يرى أنها أرجأت البرنامج بضعة أشهر إلى سنة، ومن يرى أنها ألحقت دمارًا بالمنشآت، تؤكد إسرائيل أن أي اتفاق لا يمنع تخصيب اليورانيوم بالكامل سيكون مجرد استراحة مؤقتة تمنح طهران فرصة لإعادة بناء قدراتها النووية وتمويل جماعاتها الحليفة وشراء أسلحة نوعية.
وردت إيران بعملية أطلقت عليها اسم “الوعد الصادق 3″، حيث أطلقت صواريخ باليستية وأرسلت مسيرات نحو العمق الإسرائيلي، نجح بعضها في تجاوز الدفاعات الجوية، مخلفًا أضرارًا بشرية ومادية.
رغم ذلك، نجحت وساطة أمريكية مكثفة في فرض هدنة هشة أنهت المواجهة المباشرة مؤقتًا، لكنها لم تعالج جذور الأزمة، وأظهرت حجم التهديدات المتبادلة وقدرة كل طرف على توسيع نطاق المواجهة في حال تصعيد جديد.
وتعتبر تل أبيب أن هذه اللحظة تمثل فرصة لتغيير قواعد اللعبة الإقليمية، عبر تقليص نفوذ إيران وحلفائها، وتجفيف مصادر تمويلهم، ونزع أسلحتهم، وتفكيك شبكة دفاعهم المتقدمة التي تعرضت لضربات في لبنان وسوريا، وتواجه تحديات للحفاظ على وجودها في العراق.
وتُظهر هذه التطورات أن إيران ليست مجرد لاعب إقليمي محدود التأثير، بل تمتلك مجموعة متكاملة من أوراق القوة الاستراتيجية التي تمنحها قدرة على المناورة والردع، سواء في مواجهة إسرائيل مباشرة أو عبر وكلائها في المنطقة.
أوراق القوة الإيرانية في مواجهة محتملة
وفي هذا السياق، قال الباحث في الشؤون الإيرانية وسياسات الشرق الأوسط، أسامة حمدي، في حديث خاص لـ”داي نيوز”، إن لدى إيران عددًا من أوراق القوة التي يمكن أن تستخدمها حال اندلاع مواجهة معها.
وأوضح حمدي أن أهم هذه الأوراق هو الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، معتبرًا أن هذه المعاهدة لم تحقق الحماية لإيران. وأضاف أن هذا الإجراء يمكن إيران من رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 90٪، ما يمكنها من إنتاج سلاح نووي يحقق الردع ضد إسرائيل والقوى الغربية، وهو ما تخشاه تل أبيب بسبب إمكانية وصول السلاح النووي إلى وكلاء إيران في المنطقة، ومن بينهم حزب الله وحماس والحوثيون والحشد الشعبي في العراق.
وأوضح حمدي أن إيران تمتلك صواريخ باليستية ومسيرات قادرة على الوصول إلى عمق إسرائيل والقواعد الأمريكية في المنطقة، بالإضافة إلى سيطرتها على ممرات بحرية استراتيجية، أبرزها مضيق هرمز، الذي تمر منه نحو 20٪ من التجارة العالمية، مؤكدًا أن إغلاقه يمنع إمدادات النفط الخليجية من الوصول للأسواق الأوروبية، ما يؤدي إلى موجة تضخم غير مسبوقة.
وأضاف أن الحوثيين، وهم حلفاء إيران، قادرون على إغلاق مضيق باب المندب وتعطيل الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن، ما يسبب اضطرابًا في سلاسل الإمداد الإقليمية والأسواق الأوروبية.
وأشار حمدي إلى أن إيران قادرة على تلغيم مياه الخليج كما فعلت خلال الحرب العراقية الإيرانية، واستهداف ناقلات البترول الخليجية، كما يمكن لها وحلفاؤها استهداف القواعد الأمريكية في المنطقة، خاصة في سوريا والعراق ودول الخليج، كما حدث في استهداف قاعدة العديد الأمريكية.
وأوضح أيضًا أن إيران يمكنها توجيه ضربات إلى القواعد الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية في أذربيجان المجاورة، بالإضافة إلى القواعد الأمريكية في قبرص واليونان والمحيط الهندي.
وأضاف أن إيران تمتلك منظومات صواريخ فرط صوتية تستطيع تجاوز أنظمة الدفاع الغربية والإسرائيلية، كما أظهرت حرب الـ12 يومًا ضد إسرائيل، حين تمكنت من الوصول إلى عمق تل أبيب وضرب أهداف استراتيجية، بينها معهد وايزمان البحثي العسكري ونظام الاتصالات في قاعدة العديد الأمريكية.
وأوضح حمدي أن حزب الله يمكن أن يكون عنصرًا حاسمًا في حال نشوب حرب تهدد بقاء النظام الإيراني، من خلال صياغة سيناريوهات تصعيد على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وصولًا إلى تنفيذ هجمات برية وصاروخية داخل عمق تل أبيب، واستخدام قنابل كهرومغناطيسية لتعطيل شبكات الكهرباء والاتصالات في إسرائيل.
وأضاف أن البرنامج النووي الإيراني يحمل طابع الردع، خصوصًا مع إمكانية تغيير فتوى تحريم امتلاك السلاح النووي ورفع مستوى التخصيب، مؤكدًا أنه يمثل أيضًا ورقة تفاوضية تجبر القوى الغربية على الجلوس مع إيران لحماية نفوذها ومصالحها في المنطقة، ويمكن أن يتحول إلى عامل حسم في أي مواجهة مرتقبة عبر الاندفاع نحو صناعة قنبلة نووية.
وتابع حمدي قائلًا: “إن إيران قادرة على تحمل حرب طويلة الأمد مع إسرائيل، خاصة أن العقوبات أجبرتها على إنتاج سلاحها وغذائها ودوائها، كما حققت اكتفاءً ذاتيًا من معظم السلع الاستهلاكية، فضلًا عن أن مساحتها الجغرافية الشاسعة تجعلها أكثر قدرة على امتصاص الضربات مقارنة بإسرائيل ذات المساحة المحدودة والمكتظة، حيث يكون تأثير الضربات أكبر”.
وأوضح أن الشعب الإيراني لديه عقيدة الشهادة راسخة، حيث يُنظر إلى من يموت في المعركة على أنه يلتحق بالإمام علي والإمام الحسين في الجنة، مؤكدًا أن هذا الاعتقاد يعزز من تحمل الإيرانيين للصراع مقارنة ببعض الشعوب الأخرى في المنطقة.
وأضاف الباحث في الشؤون الإيرانية أن بعد حرب الـ12 يومًا، وطدت إيران علاقاتها مع روسيا والصين وباكستان وبيلاروسيا، وحصلت على منظومات حرب إلكترونية ودفاع جوي حديثة، مشيرًا إلى أن روسيا والصين لن يسمحوا بإسقاط إيران أو تفكيكها لأنها تشكل بوابة ردع في جنوب ووسط آسيا ومنطقة القوقاز، وتوفر طبقة دفاعية متقدمة ضد النفوذ الأمريكي، كما تمثل ممرًا مهمًا في طريق الحرير الصيني وموردًا حيويًا للنفط الصيني.
وأوضح حمدي أن إيران ترى في هذه التهديدات خطوطًا حمراء قد تدفعها للانتقال من سياسة الردع إلى حرب شاملة ضد إسرائيل، وتشمل: محاولة إسقاط النظام الإيراني، تقسيم البلاد إلى خمس دويلات، ضرب شبكة وكلائها والقضاء عليها، تدمير منظومات الصواريخ الباليستية، والقضاء على البرنامج النووي الإيراني، الذي يمثل مصدر شرعية النظام، مضيفًا أن المطالب الأمريكية في هذا السياق تعتبرها طهران غير منطقية وغير مقبولة، مما يزيد من صعوبة الوصول إلى أي تسوية محتملة.
تل أبيب تحت الضغط: الانقسامات الداخلية أمام التهديد النووي الإيراني
وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، عمر محمد في حديث خاص لـ”داي نيوز”، إن الانقسامات السياسية والمجتمعية داخل إسرائيل لا تُعد مجرد أزمة داخلية عابرة، بل تمثل الأزمة الأخطر بالنسبة لتل أبيب على كافة المستويات.
وأوضح عمر أن هذه الانقسامات، رغم حدتها، لا تُضعف قدرة إسرائيل على مواجهة التهديدات الخارجية، مؤكدًا أن الإسرائيليين اعتادوا تجاوز خلافاتهم الداخلية والتوحد خلف القيادة السياسية عند أي تهديد أمني.
وأضاف عمر أن قرار خوض حرب جديدة مع إيران سيحظى غالبًا بدعم مطلق من الائتلاف الحكومي، إلى جانب تأييد المعارضة مع بعض التحفظات المتعلقة بضرورة تحديد أهداف واضحة وجدول زمني يقي إسرائيل من الاستنزاف في حرب طويلة بلا غاية، كما حدث في حرب غزة.
وأشار الخبير في الشؤون الإسرائيلية إلى أن القدرات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية تُعد ركيزة أساسية في أي مواجهة محتملة مع طهران، مستفيدًا من الدعم الأمريكي المطلق والصناعات العسكرية المتطورة.
وشدد عمر على أن الجانب اللوجستي يظل التحدي الأكبر، موضحًا أن بُعد المسافة عن إيران ونقص الأعداد المؤهلة في الجيش الإسرائيلي يجعل من الصعب خوض حرب موسعة طويلة الأمد، الأمر الذي يدفع تل أبيب إلى تفضيل العمليات المحدودة ذات الأثر النوعي على المواجهات الشاملة.
وأضاف عمر أن إسرائيل تراهن في حال اندلاع مواجهة جديدة على ورقتين أساسيتين هما الدعم الأمريكي غير المشروط من جهة، والقدرات الاستخباراتية من جهة أخرى، والتي تمكنها من اختراق الداخل الإيراني والتأثير على مراكز القرار والبنية التحتية العسكرية.
وبشأن مخاوف الحرب متعددة الجبهات، أوضح عمر أن الهاجس الأكبر لإسرائيل قبل هجوم 7 أكتوبر 2023 كان سيناريو الحرب على أكثر من جبهة في وقت واحد، لذلك حرصت على شن هجمات استباقية ودفاعية لإضعاف قدرات خصومها في لبنان وغزة وسوريا واليمن.
وأكد أن تل أبيب تعتبر نفسها اليوم في وضع أفضل يمنع تكرار هذا السيناريو، بعدما أضعفت بشكل كبير قدرات هذه الجبهات خلال العامين الماضيين.
وفي ما يتعلق بموقف دول الخليج، أشار الخبير في الشؤون الإسرائيلية إلى أن إسرائيل حريصة على عدم خسارة علاقاتها القائمة في المنطقة، وتسعى لتوسيع اتفاقات السلام لتشمل السعودية.
وقال إن دول الخليج لن تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لمهاجمة إيران في الوقت الراهن، إذ تنظر بقلق إلى أي مواجهة قد تشعل الفوضى وتوسع رقعة الحرب.
واختتم عمر حديثه بالتأكيد على أن الخط الأحمر بالنسبة لإسرائيل هو أي محاولة إيرانية لتخصيب اليورانيوم بهدف امتلاك السلاح النووي أو تطوير منظومات صاروخية متطورة قادرة على استهداف الجبهة الداخلية الإسرائيلية، معتبرًا أن تجاوز هذه الحدود سيُقابل برد عسكري مباشر من تل أبيب دون تردد.