أخبار دوليةتقارير

موسكو ترفض التسويات وتتمسك بخيار الحرب المفتوحة

كتب: إسلام ماجد

يواصل كبار المسؤولين الروس التأكيد على أن أي تسوية سلمية مع أوكرانيا لن تكون ممكنة ما لم تنتهِ باستسلام كامل لكييف. ففي 17 سبتمبر، شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على أن تبادل الأراضي لن ينهي الحرب، رافضًا مقترحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول إمكانية التسوية عبر “تبادلات أراضٍ”. وأكد أن الغرب لن ينجح في إغراء الرئيس فلاديمير بوتين بإعادة العلاقات التجارية مع واشنطن، مشددًا على أن “الأسباب الجذرية” للنزاع تكمن في منع توسع الناتو وضمان حياد أوكرانيا. وفي حين أبدى المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف انفتاحًا شكليًا على التفاوض، رأى “معهد دراسة الحرب” أن روسيا تسعى لإطالة أمد الحرب حتى تحقيق أهدافها القصوى.

تصفيات داخلية وتكريس سلطة كيرينكو

شهدت أروقة الكرملين تغييرات لافتة بإبعاد نائب رئيس الديوان الرئاسي دميتري كوزاك، المعروف بمعارضته للغزو الشامل في 2022 ومحاولته طرح بدائل سياسية تمنع انضمام أوكرانيا للناتو. وبخروجه، تعزز نفوذ سيرغي كيرينكو، الذي يشرف منذ سنوات على ملفات أوكرانيا ومولدوفا. هذا التطور يعكس تصميم بوتين على إحاطة نفسه بمستشارين يدعمون خططه التصعيدية دون معارضة داخلية.

على الصعيد العسكري، تواصل موسكو الاستثمار في الطائرات المسيرة. فقد كشفت إذاعة “راديو أوروبا الحرة/راديو الحرية” هوية العقيد سيرغي بودنيكوف قائد مركز “روبيكون للتقنيات المتقدمة غير المأهولة”، المسؤول عن عمليات إسقاط الطائرات الأوكرانية من طراز “بابا ياغا”. ويقع مقر المركز في “حديقة باتريوت” قرب موسكو، حيث يتم تدريب الشباب على تشغيل المسيرات، في إطار استراتيجية لعسكرة المجتمع.

بالتوازي، انطلقت مناورات “روبيج-2025” في قيرغيزستان بمشاركة 1200 جندي و500 قطعة عسكرية من روسيا وحلفائها، بعد اختتام مناورات “زاباد-2025” مع بيلاروسيا. وتركز هذه التدريبات على دمج خبرات الحرب الأوكرانية، خصوصًا في مجال الطائرات المسيرة، لتعزيز جاهزية الحلفاء الإقليميين.

دونالد ترامب و فولوديمير زيلينسكي
دونالد ترامب و فولوديمير زيلينسكي

اقرأ أيضاً:روسيا تعود إلى المقايضة: القمح مقابل السيارات الصينية لمواجهة العقوبات الغربية

موقف ترامب ومخاطره القانونية

تتزامن هذه التطورات مع تصريحات ترامب التي أبدى فيها دعمه لفكرة “تبادل الأراضي” كشرط لسلام سريع. ففي مقابلاته خلال أغسطس وسبتمبر 2025، تحدث عن ضرورة تنازلات أوكرانية لوقف الحرب، مشيرًا إلى أن “بعضها سيكون جيدًا وبعضها سيئًا” لكنه ضروري لإنهاء النزاع.

هذا الطرح يثير مخاوف واسعة، إذ يمثل أول محاولة منذ الحرب العالمية الثانية لفرض تسوية قائمة على خسائر إقليمية بالقوة. ويخالف ميثاق الأمم المتحدة، خصوصًا المادة 24 التي تحظر استخدام القوة لتغيير الحدود، كما يتعارض مع اتفاقيات جنيف ودستور أوكرانيا الذي يمنع التنازل عن الأراضي دون استفتاء شعبي.

تقارير من “ذا كونفيرسيشن” و”جوريست” و”مجلس العلاقات الخارجية” حذرت من أن تبني هذا النهج سيشجع نزاعات جديدة في مناطق مثل تايوان والخليج وجورجيا، ويهدد النظام الدولي القائم منذ 1945. كما أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الأمم المتحدة أن هذه الفكرة تمثل “خيانة لمبادئ الحرية وتشجع الديكتاتوريات على الغزو”.

“السلام مقابل التنازل”.. جدل يعيد شبح ما قبل 1945

في سياق الجدل الدائر حول الحرب الروسية–الأوكرانية، أكد الدكتور راشد صلاح أبورميه، المدرس بكلية الإعلام وفنون الاتصال، أن مقترح “السلام مقابل التنازل” الذي يروّج له بعض القادة الغربيين وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، يمثل “خطرًا على النظام الدولي ويعيد العالم إلى منطق ما قبل الحرب العالمية الثانية”.

وأوضح أبورميه أن أي تسوية تقوم على إجبار أوكرانيا على التنازل عن أراضٍ لموسكو تُعد مكافأة للعدوان، وخرقًا صريحًا لمبادئ القانون الدولي التي تحظر اكتساب الأراضي بالقوة. وأضاف أن التجربة التاريخية لاتفاق ميونخ عام 1938 أثبتت أن الاسترضاء لا يجلب السلام، بل يؤدي إلى تصعيد أكبر.

اقرأ أيضاً:بولندا تحذر من تصعيد خطير مع روسيا بعد خرق طائرات مسيرة لمجالها الجوي

وأشار إلى أن روسيا، بقيادة فلاديمير بوتين، لا تسعى فقط وراء أراضٍ أوكرانية، بل إلى تغيير استراتيجي يمنع كييف من الانضمام إلى الناتو، لافتًا إلى أن إقصاء شخصيات معتدلة مثل دميتري كوزاك وتكريس نفوذ سيرغي كيرينكو يعكس تصميم موسكو على نهج التصعيد.

كما شدّد على أن أي تنازل أوكراني سيقوّض شرعية حكومة فولوديمير زيلينسكي داخليًا، ويفتح الباب أمام مقاومة طويلة الأمد داخل الأراضي المحتلة. أما الغرب، فإن قبوله بهذا السيناريو سيضعف مصداقيته أمام حلفائه، ويشجع قوى أخرى مثل الصين على محاكاة النموذج في ملفات إقليمية حساسة.

وختم أبورميه بالقول: “السلام الحقيقي لا يُبنى على الاستسلام، بل على احترام القانون الدولي وضمان الأمن المتبادل. وإلا فإن العالم يكرر أخطاء الثلاثينيات.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى