شراكة عسكرية جديدة: كيف يغيّر التعاون السعودي–الباكستاني موازين القوى في المنطقة؟
كتبت: سارة محمود

وقعت السعودية وباكستان اتفاقية دفاع مشترك رسمية أمس الأربعاء في خطوة تعزز بشدة شراكة أمنية قائمة منذ عقود في ظل تنامي التوتر بالمنطقة.
يأتي هذا التعزيز للعلاقات الدفاعية في وقت يتزايد فيه قلق الدول العربية والخليج وعدم الوثوق في الولايات المتحدة بأنها ضامنا أمنيا طويل الأمد للمنطقة، وهذا بعد الهجوم الإسرائيلي على قطر الأسبوع الماضي.
وعرض التلفزيون الباكستاني لقطات لرئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وهما يتعانقان بعد توقيع الاتفاقية. وحضر التوقيع قائد الجيش الباكستاني الفيلد مارشال عاصم منير الذي يعد أقوى شخصية باكستان.
وجاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الباكستاني “تهدف هذه الاتفاقية، التي تعكس الالتزام المشترك لكلا البلدين بتعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم، إلى تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين وتعزيز الردع المشترك ضد أي عدوان… وتنص الاتفاقية على أن أي عدوان على أي من البلدين يعد عدوانا على كليهما”.
إقرأ أيضاً: أمريكا والسعودية والإمارات ومصر تدعو إلى هدنة إنسانية 3 أشهر في السودان
السعودية ليست مجرد قوة إقتصادية
وفي حوار خاص لموقع “داي نيوز” الإخباري يرى الأستاذ معمر السليمان، الباحث في الشؤون السياسية أن الدفاع السعودي-الباكستاني المشترك الذي جرى بالأمس خطوة استراتيجية رائدة، تعكس رؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الحكيمة في بناء قدرات المملكة الدفاعية وتعزيز استقرار المنطقة. هذه المبادرة تمثل نموذجًا متقدمًا في علم السياسة وإدارة الأزمات، حيث توضح القدرة على التخطيط الدقيق وخلق تحالفات متينة تدعم الردع وتحقق التوازن الإقليمي. كما أنها تؤكد أن السعودية ليست مجرد قوة اقتصادية، بل لاعب محوري قادر على صياغة سياسات أمنية متقدمة، تتوافق مع متطلبات الأمن الإقليمي والدولي في الوقت ذاته.
هل ستحصل السعودية على مظلة نووية باكستانية؟
ومن جانبه أكد السليمان على أن كل ما تملكه باكستان من قدرات دفاعية سيكون مكرّسًا لدعم الأمن السعودي وتعزيز الردع الإقليمي على حسب ما جاء بالإتفاقية، وهو ما يعكس تصميم المملكة بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على حماية مصالحها الوطنية بأعلى درجات الاحترافية الاستراتيجية. وأن الرسالة واضحة للعالم: السعودية قادرة على بناء تحالفات دفاعية قوية، تستند إلى شراكات استراتيجية، لضمان استقرار المنطقة وتأمين مصالحها دون الانجرار إلى التعقيدات النووية. الاتفاقية تعكس مدرسة متقدمة في إدارة الأزمات والتوازن الاستراتيجي، تؤكد أن المملكة ليست فقط لاعبًا اقتصاديًا عالميًا، بل قوة سياسية وعسكرية ذكية وفاعلة على الساحة الإقليمية والدولية.
العلاقة السعودية الهندية بعد هذه الإتفاقية
وأضاف معمر أن هذه الاتفاقية الدفاعية بين السعودية وباكستان لا تمثل أي تهديد للعلاقات السعودية-الهندية، بل هي خطوة استراتيجية محددة تهدف لتعزيز الأمن الإقليمي والقدرات الدفاعية للمملكة، وأن السعودية بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تتبع سياسة متوازنة تقوم على تعزيز شراكاتها الاستراتيجية المتعددة دون الإضرار بعلاقاتها الدولية القائمة. هذا التحرك يعكس فهمًا عميقًا لإدارة العلاقات الدولية، حيث يمكن للمملكة أن تبني تحالفات دفاعية قوية في الوقت نفسه الذي تحافظ فيه على روابطها الاقتصادية والدبلوماسية مع شركاء مثل الهند، بما يحقق الاستقرار الإقليمي ويخدم مصالحها الوطنية على المدى الطويل.
ومن زاوية آخرى قام المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الهندية راندهير جايسوال بمنشور على موقع إكس اليوم الخميس يذكر فيه إن الهند على علم بالتطور، مضيفا أنها ستدرس تداعياته على أمن نيودلهي والاستقرار الإقليمي
وعند سؤال الخبير في الشؤون الأسيوية إسلام شحته عن سبب هذه التصريحات في هذا الوقت، أوضح الخبير أن هذه التصريحات جاءت في إطار توضيح الموقف الرسمي للهند تجاه خطوة تعتبر استراتيجية في المنطقة، إذ تعكس الاتفاقية تعزيز التعاون الدفاعي بين باكستان والسعودية وتشكيل ما يشبه مظلة دفاعية مشتركة ضد أي اعتداء محتمل، وفقًا للبيان المشترك بين الدولتين.
وأضاف جايسوال أن الحكومة الهندية ستدرس تداعيات هذه الاتفاقية على الأمن القومي والهندسي للبلاد وكذلك على الاستقرار الإقليمي والعالمي.
ويؤكد الباحث في تصريحاته الخاصة لموقع “داي نيوز” الإخباري، أن هذه التصريحات تعكس اهتمام نيودلهي بالتحولات الاستراتيجية في غرب آسيا، خاصة في ظل توقيت الاتفاقية الذي تزامن مع قمة طارئة للدول العربية والإسلامية استضافتها قطر بعد الهجمات الإسرائيلية على قيادات حماس في الدوحة.
كما يعد نشر هذا التصريح بهدف تأكيد وعي الهند بالتطورات الإقليمية والدفاعية التي قد تؤثر على مصالحها في المنطقة؛ وطمأنة الرأي العام والمجتمع الدولي بأن الحكومة الهندية ملتزمة بحماية مصالحها الوطنية وأمنها الشامل في جميع المجالات، وتحديد موقف واضح تجاه تعزيز الأمن الدفاعي لباكستان والسعودية، ما قد يغير موازين القوة في المنطقة ويؤثر على العلاقات الاستراتيجية بين الهند والدول العربية، بما فيها السعودية.
وأضاف شحته: “باختصار، منشور جايسوال جاء ليكون ردًا دبلوماسيًا رسميًا يُبرز متابعة الهند الدقيقة للتطورات، واستعدادها لدراسة كل أثر محتمل على أمنها القومي والاستقرار الإقليمي، دون الانجرار لتصريحات تصعيدية، وهو ما يعكس أسلوب الهند المعتاد في إدارة ملفات الأمن الإقليمي والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية”.
إقرأ أيضاً: وزيرا خارجية السعودية وأمريكا يناقشان استقرار سوريا وأوضاع غزة وتطورات الأزمة الروسية-الأوكرانية
سبب الإعلان عن هذه الصفقة في هذا الوقت
ويرى الباحث أن هذه الصفقة تأتي في نقطة حرجة من التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط، حيث وقع الهجوم الإسرائيلي على قادة حماس في العاصمة القطرية الدوحة في 9 سبتمبر 2025، ما أثار غضبًا واسعًا في العالم الإسلامي.
وهذا الهجوم دفع الدول العربية والإسلامية إلى عقد قمة طارئة في الدوحة لمناقشة الإجراءات الأمنية، وسط شكوك حول موقف الولايات المتحدة التي امتنع قادتها عن اتخاذ موقف واضح أو تدخل فعلي، على الرغم من امتلاكها شبكة استخبارات واسعة في المنطقة.
في هذا السياق أكد شحته أن توقيت الإعلان عن هذه الاتفاقية يمثل استجابة استراتيجية لغياب آلية دفاع مشتركة فعالة لدول مجلس التعاون الخليجي، إذ لا توجد جهة خليجية واحدة قادرة على ضمان حماية الأمن الوطني لكل دولة على حدة في ظل تهديدات خارجية متصاعدة.
وأيضًا تعزيز الأمن القومي لكل من السعودية وباكستان من خلال إقامة تحالف دفاعي مباشر يضمن الردع المشترك ضد أي عدوان، وهو ما يظهر جليًا في نص الاتفاقية الذي يربط أي هجوم على إحدى الدولتين باعتباره عدوانًا على كل منهما، وتعويض الثقة المفقودة في الدعم الغربي، خصوصًا بعد غياب موقف حاسم من الولايات المتحدة عقب الضربات الإسرائيلية على قطر، ما يرسخ مبدأ أن المصالح الوطنية فوق كل اعتبار ويبرز الحاجة إلى شراكات دفاعية مستقلة وموثوقة.
واختتم الباحث حديثه بأن هذه الاتفاقية تهدف إلى تعزيز مكانة باكستان الاستراتيجية في المنطقة، واستثمار قدراتها التقليدية والنووية لدعم أمن السعودية، في وقت تشهد فيه المملكة استثمارات وتنمية اقتصادية تحتاج إلى حماية أمنية قوية، وإن الإعلان عن الصفقة في هذا التوقيت لا يرتبط بحادثة محددة وحدها، لكنه يعكس إدراكًا استراتيجيًا للحاجة إلى تحالفات دفاعية مستقلة في ظل توترات إقليمية متصاعدة، وغياب آليات فعالة للحماية الجماعية، مع إمكانية أن تتوسع الاتفاقية مستقبلاً لتشمل دولًا خليجية أخرى لتأمين استقرار أوسع في المنطقة.