تقارير

CNN: بريطانيا تُغري ترامب بالبذخ الملكي.. دبلوماسية القصور بين الفخامة والسياسة

ترى شبكة CNN الأمريكية أن زيارة دونالد ترامب إلى المملكة المتحدة تكشف جانبًا غير تقليدي من الدبلوماسية البريطانية: الاعتماد على البذخ الملكي كأداة فعّالة لكسب ودّ رئيس أمريكي استثنائي في شخصيته وتطلعاته. بالنسبة للبريطانيين، فإن الفرق بين “زيارة رسمية” و”زيارة دولة” ليس مجرد تفاصيل بروتوكولية، بل رمز دبلوماسي ثقيل يحمل في طياته رسائل سياسية عميقة.

فبحسب الأعراف، لا تُمنح مراسم الدولة الملكية الكاملة — بما تحمله من حرس شرف وفرقة فرسان وأدوات فضية ملكية — إلا للرؤساء في ولاياتهم الأولى.

أما ترامب، فيتجاوز القاعدة ليصبح أول رئيس أمريكي يحظى بزيارة دولة ثانية خلال فترة زمنية قصيرة، بدعوة من الملك تشارلز الثالث.

هذه الاستثناءات، كما تقول CNN، ليست مصادفة بل تعكس إدراك لندن العميق لما يستهوي ترامب: الفخامة، الرمزية الملكية، والاستعراض العسكري.

مقارنة لافتة مع أوباما وبوش

ولكي تبرز قوة هذا الاستثناء، تعود CNN إلى مشاهد استقبال أسلاف ترامب. باراك أوباما، عام 2016، اكتفى هو وزوجته ميشيل بجولة متواضعة في سيارة رينج روفر سوداء إلى قلعة وندسور، تلاها غداء هادئ مع الملكة إليزابيث الثانية والأمير فيليب.

أما جورج دبليو بوش عام 2008، فلم يحظَ بأكثر من جلسة شاي بعد الظهيرة وجولة قصيرة في القصر. في المقابل، يبدو أن ترامب لا يرضى إلا بعظمة متكاملة، وهو ما تدركه لندن تمامًا.

برنامج مُصمَّم على المقاس

جدول زيارة ترامب الحالية يعكس هذا التوجّه؛ فالموكب الملكي سيجوب أرجاء قلعة وندسور بعربات تقليدية وسلاح الفرسان، يلي ذلك استعراض جوي لفريق “السهام الحمراء” التابع لسلاح الجو الملكي، إلى جانب عرض عسكري غير مسبوق يُعرف بـ”الانسحاب المفاجئ”.

وفي المساء، مأدبة عشاء فاخرة متعددة الأطباق في قاعة سانت جورج، تحت سقف تاريخي تتدلى منه شعارات فرسان الرباط منذ القرن الرابع عشر. بالنسبة لـCNN، هذا المشهد هو بالضبط ما يتماشى مع ذائقة ترامب، الذي زيّن مكتبه البيضاوي سابقًا بلمسات مذهبة وعشق دائم للاستعراض العسكري.

الهوس الملكي لترامب

تذكّر الشبكة أن ترامب يملك تاريخًا طويلًا مع الرمزية الملكية البريطانية، يصل إلى حد “الهوس الموثّق”. فقد زعم امتلاكه لعلاقات مع الأميرة ديانا، وتفاخر بأنه لو تزوجها سيصبح “ملك إنجلترا”.

كما ربط اسمه مرارًا بالعائلة المالكة عبر شائعات عن شراء عقاراته، أو عبر شعار النبالة البريطاني الذي وضعه على أبواب ملاعب الغولف ومنتجعاته. هذه النزعة جعلت من لندن تدرك أن طريق التأثير في ترامب يمر عبر القصور الملكية.

الهدايا كرسائل سياسية

من المرتقب أن يتبادل ترامب والعائلة المالكة الهدايا في هذه الزيارة. CNN تستعيد هنا تفاصيل زيارة 2019، حين أهدى ترامب الملكة دبوسًا فضيًا من “تيفاني”، والأمير فيليب سترة شخصية من طائرة الرئاسة، إضافة إلى طبعة أولى موقعة من سيرة الجنرال جيمس دوليتل.

وفي المقابل، تلقّت عائلة ترامب نسخة نادرة من كتاب ونستون تشرشل، وعلبة فضية مزخرفة، ومجموعة أقلام. مثل هذه الهدايا ليست مجرد مجاملات، بل أدوات رمزية تعكس توازنًا دقيقًا بين السياسة والذوق الشخصي.

الفخامة مقابل التظاهر

CNN تلفت أيضًا إلى أن بريطانيا ليست غافلة عن المعارضة الشعبية لترامب. ففي زيارته السابقة، تصدّر مشهد منطاد “ترامب الرضيع” سماء لندن.

لكن هذه المرة، سيكون الرئيس الأمريكي السابق معزولًا داخل أسوار وندسور، بعيدًا عن المظاهرات. فبريطانيا، كما تقول الشبكة، تمنحه المشهد الذي يتوق إليه، لكنها في الوقت نفسه تتحكم بدقة في صورته العامة على أراضيها.

البعد السياسي والاقتصادي

بعيدًا عن البروتوكول، تشير الشبكة إلى أن هذه الزيارة تتزامن مع توقيت حساس: حكومة كير ستارمر تسعى إلى تعزيز العلاقات التجارية مع واشنطن بعد “بريكست”.

دعوة ترامب تأتي في سياق سياسي يتجاوز المجاملة الملكية، إذ تذكّر CNN بسابقة دعوة الديكتاتور الروماني نيكولاي تشاوشيسكو عام 1978 قبل توقيع صفقة كبرى في مجال الطيران والفضاء.

الرسالة هنا أن الفخامة ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لفتح الأبواب أمام مصالح اقتصادية واستراتيجية.

ترامب والربح السياسي

أما ترامب، فسيخرج من هذه الزيارة بمكاسب مزدوجة. فهو يستمتع بالبريق الملكي الذي يثري صورته السياسية، خاصة في وقت يسعى فيه للعودة إلى البيت الأبيض.

وفي الوقت نفسه، لا يتحمّل أي أعباء سياسية ثقيلة، إذ أُبعد عن البرلمان وأي أحداث عامة قد تثير احتجاجات. هكذا، تقدم بريطانيا لترامب “هدية سياسية” لا تقل قيمة عن العروض الملكية: حضور بلا مخاطر.

خلاصة تحليلية

في النهاية، تقول CNN إن بريطانيا تعرف جيدًا مفتاح شخصية ترامب: الفخامة والرمزية الملكية. عبر السجاد الأحمر، والعربات الملكية، ومآدب القصور، تصوغ لندن دبلوماسية مموهة بالكرم، لكنها في جوهرها واقعية سياسية تهدف إلى تعزيز النفوذ والمصالح.

ترامب من جانبه يجد نفسه في المشهد الذي يحلم به: رئيس أمريكي يُعامل كملك. وبينما يصفق له القصر وتُغلق أبواب الشوارع أمام المتظاهرين، يتحقق لقاء نادر بين الغرور السياسي والفخامة الملكية، يعكس بمهارة كيف يمكن للبذخ أن يصبح أداة تفاوض في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى