عام على تفجيرات “البيجر”: الهجوم الإسرائيلي الذي هز حزب الله ولبنان

كتبت: هدير البحيري
تمر اليوم الذكرى الأولى لتفجيرات أجهزة “البيجر” التابعة لحزب الله، التي هزت لبنان في 17 و18 سبتمبر 2024، تاركة آثارًا لا تزال مشاهدها حاضرة في ذاكرة اللبنانيين.
هذه التفجيرات، التي أطلقت عليها تل أبيب اسم “جريم بيبر”، شكلت صدمة استثنائية على الصعيد الأمني والبشري، إذ أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين وجرح الآلاف بينهم نساء وأطفال، وسط تساؤلات حادة حول طبيعة الاختراق الإسرائيلي وقدرته على الوصول إلى قلب بنية حزب الله.
انفجرت آلاف أجهزة “البيجر” بشكل متزامن في منازل ومكاتب ومتاجر وعلى خطوط المواجهة، ما تسبب في أضرار مادية وبشرية جسيمة.
تبع ذلك بيوم واحد انفجار أجهزة لاسلكية من نوع “ووكي توكي” حملها عناصر الحزب، ما زاد حجم الصدمة.
ونفذت إسرائيل هذه العملية بينما كان حزب الله مستمرًا في إطلاق الصواريخ على إسرائيل في إطار ما عرف بجبهة “إسناد غزة”، مما أعطى الهجوم طابعًا استراتيجيًا مدروسًا، وليس مجرد عمل عشوائي.
أجهزة “البيجر”: من وسيلة اتصال آمنة إلى فخ استخباراتي
تعتبر أجهزة “البيجر”، التي طُورت في الستينيات للاستخدام في حالات الطوارئ، وسيلة اتصال لاسلكية صغيرة تعتمد على إرسال إشارات رقمية ورسائل نصية قصيرة عبر موجات الراديو.
ظل “البيجر” وسيلة مفضلة للتواصل بين العسكريين والأمنيين في حزب الله، باعتباره أكثر أمانًا من الهواتف الذكية، التي يسهل اختراقها وتتبعها.
كشفت التحقيقات أن إسرائيل نجحت، بعد سنوات من التخطيط، في زرع مواد متفجرة داخل أجهزة “البيجر” عبر تمريرها ضمن سلسلة توريد مزيفة أنشأتها شركات وهمية.
وأكدت المصادر أن هذه المواد كانت عبارة عن متفجرات بلاستيكية صغيرة مع صواعق مدمجة، صُممت لتخفي عن أجهزة الفحص التقليدية، ما جعل اكتشافها شبه مستحيل.
عملاء داخل الحزب وثغرات استخباراتية مكشوفة
ولم يقتصر الاختراق على الجانب التقني، إذ أظهرت التحقيقات وجود عملاء داخل صفوف الحزب، أبرزهم محمد صالح، نجل أحد قياديي “كتيبة الرضوان”، الذي تم توقيفه بعد اتهامه بتزويد إسرائيل بإحداثيات دقيقة أدت إلى استهداف قيادات بارزة، مقابل مبالغ مالية ضخمة.
بعد التفجيرات، شكل الحزب لجنة تحقيق مركزية، وأقر الأمين العام نعيم قاسم بأن التفجيرات استخدمت مواد متفجرة لا يمكن كشفها بالآليات التقليدية، مع الإشارة إلى أن التنصت الإسرائيلي كان شبه شامل، ولكنه نفى وجود اختراق بشري على مستوى القيادات.
في المقابل، اعترف مسؤول الموارد والحدود في الحزب نواف الموسوي في مارس 2025 بأن الهجوم لم يكن نتيجة تفوق استخباراتي إسرائيلي فحسب، بل أيضًا نتيجة “ثغرات وإهمال داخلي”، مؤكدًا أن نقاط الضعف كانت “كبيرة وخطيرة”.
على الصعيد الإنساني، لا يزال كثير من المصابين في طريق التعافي من جروحهم الجسدية والنفسية، ويحتاج البعض منهم إلى علاج طويل قد يمتد لسنوات، وربما مدى الحياة، وفق ما أكده جراح العيون إلياس جرادي، الذي أجرى عشرات العمليات للمصابين.
تفجيرات “البيجر”: أكبر اختراق استخباراتي وتكنولوجي نفذته إسرائيل
وفي هذا السياق، قال الباحث في الشأن الإيراني وسياسات الشرق الأوسط، أسامة حمدي، في حديث خاص مع “داي نيوز” إن تفجيرات أجهزة “البيجر” التي نفذتها إسرائيل ضد عناصر حزب الله اللبناني تمثل أكبر اختراق استخباراتي وتكنولوجي نفذته تل أبيب ضد الحزب.
وأوضح حمدي أن العملية كشفت عن قدرة إسرائيل على التخطيط الدقيق والتمويه، مستغلةً أساليب غير تقليدية عبر تأسيس شركات وهمية تم من خلالها توريد أجهزة “البيجر” واللاسكي مزودة بمتفجرات، ما يكشف عن عمق الاختراق الاستخباراتي والتقني داخل بنية الحزب.
وأضاف أن هذا الحدث يفتح باب التساؤل والحذر أمام باقي أذرع محور المقاومة والمنطقة العربية من ألاعيب الموساد في الاختراق، مستغلًا التكنولوجيا الحديثة والأساليب غير المتوقعة.
تفجيرات “البيجر” تركت جرحًا غائرًا في الجنوب اللبناني
وأشار حمدي إلى أن تفجيرات “البيجر” تركت جرحًا غائرًا في الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية، تمثل في الشعور بالانكشاف الأمني لكل فرد داخل الحزب، إضافة إلى الهزيمة النفسية والتكنولوجية التي ألمت بالتنظيم، خاصة بعد أن تبعتها عملية اغتيال الزعيم الروحي للحزب، السيد حسن نصر الله، ومعه قيادات كبيرة في الحزب.
وأوضح حمدي أن هذه التطورات كانت عاملًا مشجعًا لإسرائيل على محاولة الاجتياح البري للجنوب بعد بضع أيام قليلة من الهجمات، في خطوة شكلت تحولًا مهمًا في مسار المواجهة بين حزب الله وإسرائيل.
ومع ذلك، أكد حمدي أن حزب الله استطاع التصدي بريًا للاجتياح، ما أجبر إسرائيل على توقيع اتفاق مع الحزب يقضي بوقف إطلاق النار، وإنهاء معركة “إسناد غزة”، وانسحاب الحزب إلى ما وراء نهر الليطاني.
حزب الله يطلق حملة تحت شعار “تعافينا”
وقال حمدي إن حزب الله أطلق اليوم حملة تحت شعار “تعافينا”، في محاولة لتصدير صورة للداخل اللبناني والمحيط الإقليمي مفادها أن الحزب استطاع ترتيب صفوفه داخليًا بعد هجوم “البيجر”، وأنه نجح في التعافي النفسي والمعنوي ومعالجة الانكشاف الأمني والتكنولوجي الذي أصابه سابقًا.
كما أشار الباحث في الشأن الإيراني وسياسات الشرق الأوسط إلى أن رسائل الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، ركزت على إشراك المصابين ومن فقدوا البصر في الأعمال المعنوية والإعلام والتوجيه والمجالات الاجتماعية والثقافية، في خطوة تهدف إلى إعادة بناء الكوادر بعد الأزمة.
وأضاف حمدي أن رسائل نعيم قاسم جاءت لتؤكد على العقيدة الدينية والأيديولوجية للحزب، المرتبطة بالتضحية والشهادة والسير في طريق “إحدى الحسنيين”، إما النصر أو الشهادة.
وأوضح أن مقاتلي الحزب يواصلون مواجهة إسرائيل، التي وصفها بأنها دولة احتلال وطغيان وظلم، في سياق تعزيز ثنائية “المستكبرين والمستضعفين” لدى المجتمع الشيعي، ورفض أي محاولات للاستخفاف بدور الحزب في الصراع الإقليمي.