أطفال تحت الأنقاض ومجازر مستمرة مع توسع الاجتياح البري الإسرائيلي

شهدت مدينة غزة، يوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025، تصعيداً دراماتيكياً في العمليات العسكرية الإسرائيلية، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي توسيع نطاق هجومه البري داخل المدينة، كجزء من عملية “عربات جدعون 2″ التي تهدف إلى السيطرة الكاملة عليها.
وفي ظل هذا التصعيد، وعد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بـ”تدمير كامل” للمدينة، مشيراً في تغريدة على منصة إكس إلى أن “غزة تحترق والجيش يضرب بقبضة من حديد”، مما أثار إدانات دولية واسعة.
تحولت أحياء كاملة في المدينة إلى كومات من الركام جراء الغارات الجوية والمدفعية المكثفة، التي لم تتوقف لساعات، مما أدى إلى مقتل عشرات المدنيين، بما فيهم نساء وأطفال، وإصابة وفقدان المئات آخرين.
أفادت مصادر طبية ودفاع مدني فلسطينية بأن القصف الذي استمر طوال الليلة الماضية والصباح الباكر أسفر عن تدمير مباشر لعدة أحياء سكنية، بما في ذلك حي الدرج وساحة الشوا وحي الصبرة، حيث استهدفت الطائرات الحربية والمسيّرات منازل مأهولة بالسكان.
ووصف أحمد غزال، شاب فلسطيني يبلغ من العمر 25 عاماً يقيم قرب ساحة الشوا، الحادثة لوسائل إعلامية بأن “القصف كثيف بشكل هائل ولم يهدأ أبداً، والخطر يتزايد كل لحظة”.
أضاف غزال أنه في فجر الثلاثاء، سمع “أصوات انفجارات هزت الأرض بعنف مرعب”، مشيراً إلى أن الجيش الإسرائيلي دمر ثلاثة منازل كاملة في مربع سكني يضم عائلات عديدة، وأن “أغلب المنازل المستهدفة كانت مليئة بالسكان، مع عدد كبير من المواطنين عالقين تحت الأنقاض يصرخون طلباً للمساعدة”.
في شهادة أخرى مؤلمة، روى المواطن أبو عبد زقوت، أحد الناجين من مجزرة في منزل عائلة زقوت بمنطقة الأمن العام شمال المدينة، تفاصيل مروعة: “انتشلنا الأطفال بعدما تحولت أجسادهم إلى أشلاء”، مشيراً إلى أن نحو 50 شخصاً، بينهم نساء وأطفال، كانوا داخل المبنى عندما وقع القصف المفاجئ، دون أي تحذير مسبق.
وأكد زقوت أن عائلة عمه أبو كمال زقوت كانت من أبرز الضحايا، مطالبًا بتحقيق دولي فوري في هذه الانتهاكات. كما نقلت وكالة فرانس برس صرخات الضحايا تحت الركام، حيث وصف شهود عيان المشهد بأنه “كابوس حي”، مع أصوات طائرات مسيّرة لا تهدأ في السماء، وفرق الدفاع المدني تكافح للوصول إلى المواقع المستهدفة وسط إطلاق نار مستمر.
من جانبه، أوضح محمود بصل، المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، أن “القصف الجوي والمدفعي ما زال مكثفاً بشكل غير مسبوق، مع ارتفاع مطرد في أعداد القتلى والمصابين”، مشدداً على صعوبة عمليات الإنقاذ بسبب تدمير الطرق والمباني المجاورة.
وأشارت تقارير إلى أن الغارات طالت أيضاً أبراجاً سكنية مثل برج الكوثر في حي تل الهوى، الذي دُمر بالكامل بعد إنذار إخلاء قصير لم يتجاوز 20 دقيقة، مما أدى إلى نزوح مئات السكان إلى الشوارع دون مأوى.
في سياق الاجتياح البري التدريجي، أعلن الجيش الإسرائيلي الثلاثاء الماضي بدء “المرحلة الأساسية” من هجومه، مع تقدم قواته نحو وسط المدينة بمشاركة فرق عسكرية احتياطية ونظامية مثل الفرق 98 و162 و36. وأوضح بيان عسكري أن العملية ستستغرق “أشهراً” للسيطرة على “مناطق واسعة”، مع التركيز على تفكيك القدرات العسكرية لحركة حماس. وفي خطوة تهدف إلى تسهيل النزوح، أعلن الجيش اليوم فتح مسار انتقال مؤقت من مدينة غزة إلى الجنوب عبر شارع صلاح الدين، لكن شهوداً أكدوا أن النزوح يتم تحت نيران المدفعية، مما يعرض المدنيين لخطر مباشر.
تقدر الأمم المتحدة أن نحو مليون شخص يعيشون حالياً في مدينة غزة ومحيطها، مع نزوح أكثر من 350 ألف منهم جنوباً خلال الأيام الأخيرة، وفقاً لتقديرات إسرائيلية. ومع ذلك، يرفض آلاف آخرون مغادرة المدينة خوفاً من “المجهول”، حيث لا توجد مناطق آمنة حقيقية في القطاع المحاصر.
وفي تطور موازٍ، اتهمت لجنة تحقيق دولية مستقلة مكلفة من الأمم المتحدة إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، بعد هجوم حماس على قواعد ومستوطنات إسرائيلية في غلاف غزة.
وخلصت اللجنة في تقريرها إلى أن السلطات الإسرائيلية ارتكبت أربعة أفعال إبادة من خمسة محددة في اتفاقية 1948، بما في ذلك القتل الجماعي والحصار الذي يفرض ظروفاً معيشية مدمرة، مع تجاهل تام لأوامر محكمة العدل الدولية.
هذه الاتهامات الأولى من لجنة أممية كهذه أثارت غضباً عالمياً، مع دعوات من دول مثل قطر لمعاقبة إسرائيل، بينما حذر رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير من أن توسيع العمليات قد يعرض حياة الرهائن الإسرائيليين للخطر.
يأتي هذا التصعيد في سياق حرب استمرت لأكثر من عامين، أسفرت عن دمار هائل في القطاع، مع آلاف القتلى المدنيين ونزوح جماعي، وسط حملة إسرائيلية لتدمير البنية التحتية والعسكرية لحماس.
وأكدت منظمات إنسانية مثل الأونروا أن المشهد “مروع”، مع تدمير منهجي للمدينة وانتهاكات صارخة للقانون الدولي، مطالبة بوقف فوري لإطلاق النار.