أخبار دولية

في قلب الشمال… روسيا تختبر صاروخ تسيركون وتبعث برسائل ردع للغرب

كتب : إسلام ماجد

في خطوة جديدة تعكس تصعيد الحضور العسكري الروسي في شمال أوروبا، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، يوم الأحد، أنها أجرت تجربة إطلاق ناجحة لصاروخ فرط صوتي من طراز “تسيركون” (Tsirkon) باتجاه هدف في بحر بارنتس، وذلك في إطار المناورات الاستراتيجية المشتركة مع بيلاروسيا المعروفة باسم “زاباد” (الغرب)، والتي انطلقت في 12 سبتمبر الجاري.

وأكدت الوزارة في بيان رسمي أن فرقاطة “الأدميرال غولوڤكو” التابعة لأسطول الشمال هي التي نفذت عملية الإطلاق، موضحة أن الصاروخ أطلق عموديًا من سطح الفرقاطة ثم انطلق بزاوية نحو الأفق بسرعة هائلة. وأضاف البيان: “وفقًا لبيانات المراقبة الموضوعية التي تم تلقيها في الوقت الحقيقي، فقد تم تدمير الهدف بإصابة مباشرة”.

مناورات مشتركة دفاعية

تأتي هذه التجربة ضمن فعاليات “زاباد”، وهي مناورات استراتيجية ضخمة تنظمها روسيا وبيلاروسيا بشكل دوري. وتهدف التدريبات – بحسب وزارة الدفاع – إلى تعزيز التنسيق بين القيادات العسكرية وتحسين مستوى الجاهزية القتالية في حال التعرض لهجوم خارجي يستهدف أيًّا من البلدين.

موسكو ومينسك شددتا على أن هذه التدريبات تحمل طابعًا دفاعيًا بحتًا، وأنها لا تستهدف أي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو). غير أن الإعلان الروسي تزامن مع خطوة مقابلة من جانب الحلف؛ إذ كشف الناتو عن إطلاق عملية جديدة تحت اسم “الحارس الشرقي” عقب اختراق طائرات مسيّرة روسية للأجواء البولندية يومي 9 و10 سبتمبر.

اقرأ أيضًا: روسيا تعزز دفاعات القطب الشمالي بسفينة نووية عملاقة ومقاتلة فائقة السرعة

مشاركة جوية وبحرية واسعة

وزارة الدفاع الروسية أوضحت أيضًا أن المناورات لم تقتصر على إطلاق الصواريخ، بل شملت مشاركة واسعة من القوات الجوية والبحرية. فقد شاركت طائرات مضادة للغواصات بعيدة المدى تابعة لفيلق الطيران المختلط لأسطول الشمال، فيما نفذت مقاتلات “سو-34” أسرع من الصوت تدريبات على ضرب أهداف أرضية بالقنابل.

وبهذا، جمعت المناورات بين قدرات الردع البحري المتطور الذي تمثله الصواريخ فرط الصوتية، وبين الدعم الجوي التكتيكي عبر القاذفات المقاتلة، بما يعكس سعي موسكو إلى إبراز تكامل قوتها العسكرية في مواجهة أي تهديدات محتملة.

صاروخ “تسيركون”: سرعة خارقة ومدى بعيد

صاروخ “تسيركون” (المعروف أيضًا باسم 3M22 Zircon) يمثل أحد أبرز الأسلحة التي تراهن عليها روسيا في سباق التسلح العالمي. كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن عام 2019 أن الصاروخ قادر على الطيران بسرعة تعادل تسعة أضعاف سرعة الصوت، وضرب أهداف برية وبحرية على مسافة تتجاوز 1000 كيلومتر (ما يعادل 600 ميل).

وبحسب تقارير وسائل إعلام روسية، فإن مدى الصاروخ يتراوح بين 400 و1000 كيلومتر، فيما يزن رأسه الحربي نحو 300 إلى 400 كيلوغرام. ويعرفه حلف شمال الأطلسي بالرمز SS-N-33، وهو مصمم ليشكل تحديًا لأنظمة الدفاع الجوي الحديثة بفضل سرعته الهائلة وصعوبة اعتراضه.

اقرأ أيضًا:بولندا تحذر من تصعيد خطير مع روسيا بعد خرق طائرات مسيرة لمجالها الجوي

رسائل عسكرية وسياسية

إطلاق “تسيركون” في هذا التوقيت لا يمكن فصله عن رسائل موسكو السياسية والعسكرية إلى الغرب. فبينما تؤكد روسيا أن هذه التدريبات دفاعية، إلا أن تجربة صاروخ بقدرات خارقة خلال مناورات كبرى على مقربة من أوروبا الشمالية تحمل بلا شك إشارات ردع واضحة.

كما أن التزامن بين هذه التجربة وإعلان الناتو عن عملية “الحارس الشرقي” يعكس حالة التصعيد المتبادل بين الجانبين، وسط استمرار التوترات بشأن الحرب في أوكرانيا وتداعياتها الإقليمية.

رسائل أبعد من مجرد اختبار عسكري

وفي سياق متصل، أكد أحمد ماجد، الباحث في الدراسات السياسية والاستراتيجية،، في تصريحات خاصة لـ”داي نيوز”، أن تجربة روسيا في إطلاق صاروخ “تسيركون” فرط الصوتي خلال مناورات “زاباد” مع بيلاروسيا تتجاوز البعد العسكري المباشر، وتحمل في طياتها دلالات استراتيجية وسياسية أعمق.

وأوضح ماجد أن الحدث يعكس بوضوح منطق الردع الاستراتيجي الذي تتبناه موسكو في سياستها الأمنية. فاختبار سلاح متطور بهذه القدرات لا يقتصر على التحقق من جاهزية القوات المسلحة، بل يدخل ضمن إطار إظهار القوة كوسيلة لإبراز امتلاك تقنيات يصعب اعتراضها، وهو ما يعزز مكانة روسيا كقوة كبرى قادرة على تحدي البنية الدفاعية الغربية، ويبعث برسالة مباشرة إلى الخصوم بعدم التفكير في التصعيد العسكري.

وأضاف الباحث أن هذه التجربة لا يمكن فصلها عن أبعادها السياسية والأمنية، حيث إنها تُنتج انعكاسات معقدة على المشهد الأوروبي. فهي من ناحية تزيد من مخاوف دول أوروبا الشرقية وأعضاء حلف شمال الأطلسي، خاصة مع تزامنها مع حوادث أخرى مثل اختراق الطائرات المسيّرة الروسية للأجواء البولندية. وبيّن أن مثل هذه التطورات تغذي حالة انعدام الثقة بين الطرفين، وتدفع الناتو إلى تعزيز وجوده العسكري على حدوده الشرقية، في إطار ما يُعرف بـ”التوازن عبر القوة”.

وشدد ماجد على أن التجربة الروسية تحمل وجهين : فمن جهة، هي ممارسة مشروعة تدخل في صميم حق الدول في تعزيز أمنها القومي وتجربة منظوماتها الدفاعية والهجومية، لكن من جهة أخرى، تُعد رسالة سياسية صريحة للغرب بأن موسكو مستعدة للذهاب بعيدًا في سباق التسلح، حتى وإن أدى ذلك إلى زيادة التوترات الإقليمية.

واختتم تحليله بالتأكيد على أن هذا الحدث يكشف أن الصراع بين روسيا والغرب لم يعد مقتصرًا على الميدان الأوكراني فقط، بل أصبح يتطور إلى ساحة أوسع من استعراض القوة الاستراتيجية، الأمر الذي يعزز احتمالية استمرار دوامة الشك والردع المتبادل، بدلًا من فتح مسارات للحوار أو العمل على التهدئة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى