رحلات الفضاء تسرّع شيخوخة الخلايا الجذعية: دراسة تكشف تأثيرات مقلقة على صحة رواد الفضاء

كشفت دراسة حديثة عن تأثير جديد ومثير للقلق لرحلات الفضاء على جسم الإنسان، حيث أظهرت أن السفر إلى الفضاء يُسرّع من شيخوخة الخلايا الجذعية المكوّنة للدم، وهي الخلايا الأساسية لصحة الدم والجهاز المناعي.
الدراسة، التي أُجريت بدعم من وكالة ناسا، رصدت تغيرات في الخلايا الجذعية المأخوذة من نخاع عظام متبرعين، بعد إرسالها في أربع بعثات لشركة سبيس إكس إلى محطة الفضاء الدولية بين ديسمبر 2021 ومارس 2023.
تفاصيل الدراسة ونتائجها
راقب الباحثون عينات من الخلايا الجذعية المكوّنة للدم والخلايا السلفية خلال بعثات استمرت بين 30 و45 يومًا، وقارنوها بعينات مماثلة بقيت على الأرض من المتبرعين أنفسهم.
أظهرت النتائج أن الخلايا التي سافرت إلى الفضاء فقدت جزءًا من قدرتها على إنتاج خلايا دم جديدة وسليمة، وأصبحت أكثر عرضة لتلف الحمض النووي. كما لوحظت علامات شيخوخة مبكرة في نهايات الكروموسومات (التيلوميرات)، التي تحمل المعلومات الوراثية وتحمي الخلايا أثناء انقسامها.
عزا العلماء هذه التغيرات إلى عاملين رئيسيين: الجاذبية شبه المنعدمة في الفضاء، وزيادة التعرض للإشعاع الكوني عالي الطاقة.
هذه الظروف تُسبب إجهادًا كبيرًا للخلايا، مما يؤدي إلى فرط نشاطها، استنزاف احتياطياتها، وتقليل قدرتها على التجدد والتعافي.
كما أظهرت الخلايا علامات التهاب وإجهاد في الميتوكندريا، وهي العضيات المسؤولة عن إنتاج الطاقة داخل الخلية، بالإضافة إلى تنشيط أجزاء من الجينوم التي تظل عادةً خاملة للحفاظ على استقرار الخلايا.
الخلايا الجذعية وأهميتها
الخلايا الجذعية المكوّنة للدم، الموجودة في نخاع العظام، تنتج جميع أنواع خلايا الدم: خلايا الدم الحمراء التي تنقل الأكسجين، خلايا الدم البيضاء التي تحارب العدوى، والصفائح الدموية التي تساعد على تخثر الدم.
أي خلل في هذه الخلايا يمكن أن يؤدي إلى ضعف قدرة الجسم على إصلاح الأنسجة التالفة، تقليل كفاءة الجهاز المناعي في مكافحة العدوى أو رصد الخلايا السرطانية، وزيادة مخاطر الإصابة بأمراض خطيرة.
تأثيرات الفضاء على الصحة
تُشير الدراسة، التي نُشرت في دورية “سيل ستيم سيل” في سبتمبر 2025، إلى أن الخلايا الجذعية تُظهر استجابات متفاوتة بناءً على المتبرع، مما يعني أن بعض الأفراد قد يكونون أكثر مقاومة لتأثيرات الفضاء بفضل عوامل وراثية.
وأوضحت الدكتورة كاتريونا جيميسون، رئيسة الدراسة وأستاذة في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا سان دييجو، أن “قدرة الخلايا الجذعية على التجدد تضاءلت، لكن بدرجات متفاوتة بين المتبرعين، مما يشير إلى وجود عوامل مرونة تُفعَّل في بعض الأفراد دون غيرهم”.
بخلاف الأرض، حيث يحمي الغلاف الجوي والمجال المغناطيسي من الأشعة الكونية، يتعرض رواد الفضاء لإشعاع عالي الطاقة يُسبب تلف الحمض النووي، مما يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان، أمراض القلب، الاضطرابات العصبية، واختلال الجهاز المناعي. كما تؤدي الجاذبية متناهية الصغر إلى فقدان كثافة العظام وضمور العضلات، مما يفاقم التحديات الصحية.
أكدت جيميسون أن فهم هذه التغيرات يُمكن أن يُساهم في تطوير استراتيجيات لحماية رواد الفضاء خلال المهمات طويلة الأمد، مثل تلك المتوقعة إلى القمر أو المريخ.
وأشارت إلى أن الباحثين يواصلون دراسة هذه الآليات في بعثة حديثة لتزويد محطة الفضاء الدولية بالإمدادات أطلقتها سبيس إكس في أغسطس 2025. وتُركز هذه الجهود على تعزيز مرونة الخلايا الجذعية قبل وأثناء وبعد الرحلات الفضائية.
تُسلط هذه الدراسة الضوء على التحديات الصحية التي تواجه رواد الفضاء، خاصة مع خطط استكشاف الفضاء طويلة الأمد. تسارع شيخوخة الخلايا الجذعية قد يُعيق قدرة الجسم على الحفاظ على وظائفه الحيوية، مما يتطلب تطوير تدابير وقائية لضمان سلامة رواد الفضاء في المستقبل.