كوريا الجنوبية توقف بث إذاعة “صوت الحرية” الدعائية نحو كوريا الشمالية

أعلنت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية، يوم الاثنين 1 سبتمبر 2025، عن تعليق برامجها الإذاعية الدعائية الموجهة إلى كوريا الشمالية، وهي خطوة أخرى ضمن سلسلة الإجراءات التي تتخذها الحكومة الجديدة في سيول لتخفيف التوترات مع الجارة الشمالية المسلحة نووياً.
يأتي هذا القرار في سياق جهود الإدارة الجديدة لتعزيز الحوار وتقليل التصعيد العسكري بين شطري شبه الجزيرة الكورية، التي تشهد توترات مستمرة منذ عقود. ويُعد تعليق هذه البرامج، التي تعمل منذ أكثر من 60 عاماً، رمزاً للتهدئة، حيث كانت تُستخدم كأداة في الحرب النفسية بين البلدين.
خلفية إذاعة “صوت الحرية” ودورها التاريخي
بدأت إذاعة “صوت الحرية” عملها في عام 1962 كوسيلة حكومية رسمية للحرب النفسية ضد كوريا الشمالية، واستمرت في البث بشكل متقطع لأكثر من نصف قرن.
كانت الإذاعة تبث أخباراً من مصادر خارجية، وموسيقى “كي بوب” الشعبية الكورية الجنوبية، بالإضافة إلى رسائل تنتقد النظام في بيونغ يانغ وتسلط الضوء على الحريات في الجنوب.
هذه البرامج تُنتجها وزارة الدفاع مباشرة، وتهدف إلى التأثير على سكان الشمال الذين يفرض عليهم النظام قيوداً صارمة على الوصول إلى المعلومات الخارجية، مما يجعل مثل هذه البث نادراً ومؤثراً نفسياً.
غالباً ما ارتبط تعليق أو استئناف البث بفترات التهدئة أو التصعيد بين البلدين. على سبيل المثال، تم تعليقه آخر مرة في عام 2004 خلال مرحلة تقارب نسبي بين سيئول وبيونغ يانغ، لكنه أُعيد في عام 2010 عقب هجوم شمالي على سفينة حربية جنوبية أدى إلى مقتل 46 بحاراً.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت الإذاعة استئنافاً في 2024 كرد فعل على إرسال بالونات محملة بنفايات من الشمال، مما أثار توترات إضافية.
اليوم، يُنظر إلى تعليقها كدليل على رغبة سيئول في إعادة بناء الثقة، خاصة مع التركيز على نزع السلاح النووي وتحسين العلاقات الاقتصادية.
تصريحات الوزارة وإطار الإجراء
في تصريح للصحافيين، قال الناطق باسم وزارة الدفاع الكورية الجنوبية، لي كيونغ هو، إن “وزارة الدفاع قد علقت بث ‘صوت الحرية’ في إطار إجراءات خفض التوترات العسكرية مع الشمال”.
أكد أن هذا الإجراء لا يؤثر على جاهزية الجيش، بل يهدف إلى تقليل التصعيد النفسي والعسكري. ويأتي التعليق بعد وقف سابق للبث الدعائي عبر مكبرات الصوت الحدودية، حيث أزالت سيئول نحو 20 وحدة من هذه المكبرات في أوائل أغسطس 2025، وهو إجراء متبادل إلى حد ما، إذ علقت بيونغ يانغ بثها المعادي أيضاً.
سياق الإدارة الجديدة وجهود الرئيس لي جاي ميونغ
يُعد هذا التعليق جزءاً من استراتيجية الرئيس لي جاي ميونغ، الذي تولى المنصب في يونيو 2025، والتي تركز على تعزيز الحوار مع بيونغ يانغ. تعهد لي، الذي فاز في الانتخابات الرئاسية الحادية والعشرين، بتحسين العلاقات منذ أول أيام حكمه، بما في ذلك إيقاف حملات الدعاية عبر المكبرات وتأجيل بعض المناورات العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة، التي أثارت انتقادات شمالية حادة. كما أعلن عن خطة من ثلاث مراحل لنزع السلاح النووي الكوري الشمالي، مع التركيز على جهود دبلوماسية مكثفة.
ومع ذلك، لم تُظهر بيونغ يانغ أي اهتمام واضح بهذه المبادرات. في الأسبوع الماضي، وصفت السلطات الشمالية الرئيس لي بـ”المنافق”، ردًا على تصريحاته بشأن نزع السلاح أثناء زيارته للولايات المتحدة، الحليفة الرئيسية لكوريا الجنوبية. كما أكدت كيم يو جونغ، شقيقة الزعيم كيم جونغ أون، رفض أي حوار مع سيئول، معتبرة أن النظام غير مهتم بأي سياسات مصالحة.
رغم ذلك، يرى محللون أن هذه الخطوات قد تفتح باباً لاستعادة الثقة المتبادلة، خاصة مع تعليق الشمال لبثه المعادي عبر المكبرات، مما يُعتبر “فرصة ثمينة” وفق وزارة الوحدة في سيئول.
السياق الأوسع والتأثيرات المحتملة
يأتي هذا الإعلان في وقت تشهد فيه شبه الجزيرة الكورية توترات مستمرة، بما في ذلك تكثيف كوريا الشمالية لاختبارات الأسلحة وتعاونها مع روسيا في بعض الجوانب العسكرية.
من جانب آخر، أجلت سيئول نصف مناوراتها الميدانية مع واشنطن إلى سبتمبر 2025 لتجنب التصعيد، وتدرس تعديلات على هذه التدريبات لتكون أقل إثارة للجدل.
يُتوقع أن يساهم تعليق “صوت الحرية” في تقليل الحرب النفسية، لكنه يثير تساؤلات حول رد الفعل الشمالي، خاصة مع التركيز الشمالي على الدعاية الداخلية وجذب السياح الروس إلى منتجعاته.
هذه الخطوة تمثل فوزاً رمزياً لبيونغ يانغ، إذ يُعد البث الإذاعي مصدراً نادراً للمعلومات الخارجية لمواطنيها، ويُرى كجزء من جهود سيئول لتحويل التوتر إلى حوار، رغم التحديات المستمرة. يتابع الجيش الكوري الجنوبي التحركات الشمالية عن كثب، مع الحفاظ على الجاهزية الكاملة.