اقتصاد وتكنولوجياتقارير

رسوم ترامب تغير التحالفات: الهند تتجه نحو بكين في ظل الضغوط الأمريكية

شهدت العلاقات السياسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والهند تدهوراً ملحوظاً في الأسابيع الأخيرة، بعد فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوماً جمركية تصل إلى 50% على الواردات الهندية، وصفها محللون في صحيفة “نيويورك تايمز” بأنها “إعلان حرب اقتصادية”.

هذه الإجراءات، التي بدأت بالفعل في 27 أغسطس 2025، تهدف إلى معاقبة نيودلهي على استيرادها النفط الروسي، مما أدى إلى اضطراب كبير في سلاسل التوريد العالمية ودفع الهند إلى إعادة تقييم تحالفاتها، خاصة مع الصين.

تزامنت هذه الأحداث مع زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الصين في 31 أغسطس 2025، للمشاركة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) في تيانجين، حيث التقى بالرئيس الصيني شي جين بينغ، في أول زيارة له إلى بكين منذ سبع سنوات.

هذه الزيارة، التي جاءت وسط خلافات حدودية تاريخية، تعكس الضغوط المتزايدة على الهند للتوازن بين واشنطن وبكين، مع إمكانية تحولها إلى شريك اقتصادي أقرب للصين.

 تأثير الرسوم الأمريكية على الاقتصاد الهندي

فرضت الولايات المتحدة رسوماً أولية بنسبة 25% في 7 أغسطس 2025، تلتها إضافة أخرى بنسبة 25% في 27 أغسطس، لتصل الإجمالية إلى 50% على معظم الواردات الهندية، بما في ذلك المنسوجات، المجوهرات، الأحجار الكريمة، الأثاث، الأحذية، والكيماويات.

وفقاً لتقارير من “رويترز” و”الغارديان”، ستؤثر هذه الرسوم على حوالي 55-66% من الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة، التي تبلغ قيمتها 86.5 مليار دولار سنوياً، مما يهدد بفقدان 37 مليار دولار من الإيرادات وملايين الوظائف في القطاعات العمالية المكثفة.

على سبيل المثال، في قطاع المنسوجات والمجوهرات، الذي يعتمد على السوق الأمريكية بنسبة ثلث إجمالي الصادرات، يُتوقع انخفاض بنسبة 70% في الحجم، وفقاً لتقرير من “الجارديان” و”باركليز”.

كما حذر بنك “جيفريز” من أن هذه الرسوم قد تبطئ نمو الناتج المحلي الإجمالي الهندي بنسبة تصل إلى 1%، وتزيد من التضخم، مع إغلاق مصانع وفقدان وظائف في ولايات مثل غوجارات، مسقط رأس مودي.

أثار ترامب هذه الإجراءات كعقاب لشراء الهند النفط الروسي، الذي يغطي 40% من احتياجاتها النفطية، معتبراً أنه يمول حرب أوكرانيا. ومع ذلك، أشارت “سي إن إن” و”بي بي سي” إلى أن هذا يُعتبر “معياراً مزدوجاً”، إذ لم تُفرض عقوبات مماثلة على الصين، أكبر مشترٍ للنفط الروسي، بسبب هدنة تجارية مؤقتة. رفضت الهند الاتهامات، مشيرة إلى أن شراء النفط الروسي يضمن الأمن الطاقي لـ1.4 مليار مواطن، وأن الولايات المتحدة شجعت سابقاً على ذلك لتثبيت الأسعار العالمية.

قال وزير التجارة الهندي في بيان: “لن نرضخ للرسوم الأمريكية، ونسعى لغزو أسواق جديدة في الشرق الأوسط وأوروبا ولاتين أمريكا”. كما أعلن مودي عن إصلاحات ضريبية، بما في ذلك خفض ضريبة السلع والخدمات (GST) إلى 5-18%، ودعم للمصدرين بقروض طارئة، لتعزيز الاستهلاك المحلي الذي يشكل 60% من الناتج المحلي.

زيارة مودي إلى الصين: إعادة بناء الجسور وسط التوترات

وصل مودي إلى تيانجين في 30 أغسطس 2025، للمشاركة في قمة SCO، التي تستضيفها الصين لأول مرة منذ تأسيسها في 2001، وتُعد أكبر قمة في تاريخها بمشاركة أكثر من 20 زعيماً، بما في ذلك فلاديمير بوتين.

التقى مودي بشي جين بينغ في 31 أغسطس، في الثاني من لقاءهما في أقل من عام (الأول في كازان أكتوبر 2024)، حيث أكدا أن الهند والصين “شريكان تنمويان وليسا منافسين”، وأن الاختلافات لا يجب أن تتحول إلى نزاعات.

وفقاً لـ”هندوستان تايمز” و”الغارديان”، ركز اللقاء على حل الخلافات الحدودية، حيث وصف مودي السلام الحدودي بـ”وثيقة تأمين” للعلاقات الثنائية، مشيراً إلى “جو من السلام والاستقرار” بعد فك الاشتباك في أكتوبر 2024.

اتفقا على دعم ممثلي الجانبين الخاصين لإيجاد حل سياسي مقبول، وتوسيع التعاون في مكافحة الإرهاب عبر الحدود، الذي يؤثر على كلا البلدين.

لم يسفر اللقاء عن اتفاقيات ملموسة، لكنه فتح الباب أمام خطط لاستئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد خمس سنوات، تسهيل التأشيرات، إعادة رحلات الحج إلى كايلاش ماناسروفار، وتعزيز السياحة والتبادل الثقافي.

كما ناقشا تعزيز التجارة لمعالجة العجز التجاري الهندي (99.2 مليار دولار في 2025)، مع دعوة مودي لشي لحضور قمة بريكس في الهند 2026، وتأكيد الصين دعمها لرئاسة الهند.

أكد شي أن “القضية الحدودية لا يجب أن تحدد العلاقة الصينية-الهندية ككل”، مشدداً على التركيز الاقتصادي كمحور رئيسي. وفقاً لـ”سي إن إن” و”بي بي سي”، أدى الرسوم الأمريكية إلى دفع الهند نحو الصين، حيث أصبحت بكين شريكاً أكثر أهمية، خاصة مع توسع التعاون في الطاقة والتكنولوجيا، رغم التنافس الاستراتيجي.

تأرجح الهند بين واشنطن وبكين: تحالفات جديدة؟

أحدثت الرسوم الأمريكية اضطراباً في استراتيجية “الصين +1″، حيث كانت الشركات الأمريكية تستثمر في الهند لتقليل الاعتماد على الصين، لكنها الآن تجعل الهند أقل جاذبية، مع توجه المستثمرين نحو فيتنام والمكسيك، وفقاً لـ”باركليز” و”نومورا”.

قال ساميش جاين، مدير شركة تصدير هندية: “كنا نعتقد أن الأمر لن يحدث، لكن الآن نبحث عن أسواق بديلة في الشرق الأوسط وأوروبا”.

رغم محاولات الهند تقليص النفوذ الصيني بحظر تطبيقات وتقييد الاستثمارات، إلا أن الاعتماد على الصين في المعادن النادرة والتقنيات يبقي خيارات نيودلهي محدودة.

يرى المحللون  فى “تايمز أوف إنديا” أن الرسوم دفع الهند نحو بكين، مع إمكانية إعادة إحياء مثلث “روسيا-الهند-الصين” (RIC)، حيث تعزز الهند علاقاتها مع موسكو (التي توفر 40% من نفطها) وبكين لمواجهة الضغوط الأمريكية.

ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن العلاقة الهندية-الصينية ستظل محفوفة بالمخاطر بسبب التنافس الاستراتيجي والخلافات الحدودية، مما يجعل تحول الهند إلى “بديل صناعي للصين” شبه مستحيل.

في قمة SCO، أكد مودي التزام الهند بالحوار الإقليمي، مشدداً على مكافحة الإرهاب، بينما رحب شي بالتعاون الاقتصادي كبديل عن “التنمر الأمريكي”.

يُتوقع أن يؤدي هذا التحالف المؤقت إلى إعادة تشكيل التحالفات في آسيا، مع خسائر للولايات المتحدة في نفوذها الإقليمي، وسط مخاوف من ركود عالمي إذا استمرت الحرب التجارية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى