بين العقوبات والفرص.. الرسوم الأمريكية تدفع الهند لإعادة رسم استراتيجيتها الاقتصادية

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية جديدة على واردات هندية بقيمة 65 مليار دولار، مبررًا ذلك بمعاقبة نيودلهي على استمرارها في شراء النفط الروسي.
ورغم القلق من التداعيات الاقتصادية المباشرة، يرى خبراء أن هذه الخطوة قد تفتح أمام الهند نافذة لإعادة صياغة استراتيجيتها الاقتصادية وتعزيز استقلالها العالمي، بدلًا من الاكتفاء بدور المتأثر بالقرارات الأمريكية.
الاقتصاد الهندي.. متانة في قطاع الخدمات
بحسب موقع بروجيكت سنديكيت، فإن غالبية الصادرات الهندية (أكثر من 85%) لا تتأثر بهذه الرسوم، خصوصًا في قطاع الخدمات الذي تتجاوز قيمته 380 مليار دولار سنويًا، ويشمل تكنولوجيا المعلومات والخدمات المالية وأعمال التعهيد البحثي. هذا القطاع يظل الركيزة الأساسية لنمو الهند ولا يخضع لأي رسوم جمركية.
من الأزمة إلى “أم الفرص”
الرسوم الجديدة تكشف معضلة استراتيجية أمام نيودلهي: إما الانكفاء على الذات وسياسة اقتصادية أكثر انغلاقًا، أو استغلال الأزمة لفتح أسواق جديدة وتنويع الشركاء.
وتشير الخطوات الأخيرة إلى أن الهند اختارت الخيار الثاني، من خلال توقيع اتفاقية تجارة حرة مع المملكة المتحدة، ومواصلة مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي.
تعزيز المكانة العالمية للهند
لا تقتصر التداعيات على الاقتصاد فقط، بل تمتد إلى السياسة الخارجية. فتنويع الشركاء التجاريين يمنح الهند هامشًا أوسع للتحرك بين القوى الكبرى – الولايات المتحدة، روسيا، والصين – دون الوقوع في تبعية اقتصادية لطرف واحد.
كما أن انفتاحها على أسواق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يعزز صورتها كقوة صاعدة تحافظ على استقلاليتها وتبني علاقات على أساس المصلحة والاحترام المتبادل.
رسوم ترامب قد تُعد ضربة قصيرة المدى، لكنها على المدى الطويل قد تصبح “أم الفرص” للهند، عبر تعزيز قوتها الداخلية، وتوسيع شراكاتها الدولية، وتثبيت موقعها كفاعل عالمي مستقل قادر على صياغة سياساته الاقتصادية والدفاعية بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية.