
في خضم العنف المتصاعد في السويداء، برز مشهد غير مألوف يغير ملامح الجنوب السوري: مئات من أبناء الطائفة الدرزية يطرقون أبواب تل أبيب طلبًا للجنسية الإسرائيلية.
أفادت وسائل إعلام عبرية أن عدد المتقدمين من أبناء الطائفة الدرزية في سوريا للحصول على الجنسية الإسرائيلية تضاعف ثلاث مرات خلال أقل من عام، في انعكاس لتحولات جذرية في علاقة الدروز بسوريا من جهة، وبإسرائيل من جهة أخرى، وسط مخاوف عربية من أن تتحول القضية الدرزية إلى مدخل جديد لإعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة.
ونقلت هذه الوسائل عن عدد من الدروز الذين عبروا الحدود إلى الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من الجولان منذ يونيو 1967، أنهم يرغبون في الحصول على الجنسية الإسرائيلية لحماية أنفسهم من النظام السوري الحالي والجماعات المسلحة التابعة له، فيما أوضح التقرير أن أعدادًا أخرى من المحافظات ذات الأغلبية الدرزية تتجه نحو نفس الخيار.
وأشار مراسل قناة “أي نيوز 24” العبرية، يوناتان رو، إلى أنه التقى في شمال الجولان بعدد من هؤلاء الدروز الذين قرروا الانضمام لإسرائيل، رغم أن نسبة كبيرة من سكان الجولان، الذين تخضع أراضيهم للسيطرة الإسرائيلية منذ أكثر من 60 عامًا، يرفضون الحصول على الجنسية.
وأوضح التقرير أن الدروز في الجولان منعوا لسنوات من الحصول على الجنسية، ولم يُسمح لهم بالتواصل الكامل مع إخوانهم على الجانب السوري، لكن الأحداث الأخيرة في السويداء، بما في ذلك الاشتباكات بين الدروز والجماعات المسلحة والبدو، أدت إلى تغير مواقف الكثير من أبناء الطائفة، ما انعكس في زيادة طلبات الحصول على الجنسية الإسرائيلية بنحو ثلاثة أضعاف تقريبًا خلال العام الماضي.
كما تم رصد ارتفاع حالات رفع الأعلام الإسرائيلية في مظاهرات الدروز بسوريا، وسط حالة غضب واسعة في الدول العربية، ما يضاعف المخاوف من تحول بعض الدروز نحو إسرائيل في ظل الوضع الحالي.
وعلى صعيد متصل، دعا الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، حكمت الهجري، الاثنين، إلى دعم دولي من أجل انفصال السويداء عن الدولة السورية.
وفي فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي قال الهجري: “نطلب من العالم والدول الحرة أن تقف بجانب الطائفة الدرزية لإعلان إقليم منفصل لحمايتنا”، مضيفًا: “مشوارنا بدأ بعنوان جديد بعد المحنة الأخيرة التي كان القصد منها إبادة الطائفة الدرزية”.
ووجه الهجري الشكر للدول التي وقفت إلى جانب الطائفة الدرزية، على رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل.
في هذا الإطار، أبلغ الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، نظيره حكمت الهجري بعدم إمكانية فتح أي ممر إنساني من إسرائيل باتجاه السويداء. أوضح طريف أن أي ممر محتمل سيكون عبر محافظة درعا، وهو ما قد يُعتبر جزءًا من “مشروع تقسيم” سوريا، بحسب مصادر خاصة لسكاي نيوز عربية .
وأضافت المصادر أن السلطات تعمل حاليًا على فتح الطريق عبر محور دمشق-السويداء، مع تخصيص نحو ألفي جندي لتأمينه وحماية المدنيين أثناء حركة المرور في الفترة المقبلة.
وأشار الإعلام الإسرائيلي إلى أن الجانب الإسرائيلي سعى لفتح معبر يربط إسرائيل بمحافظة السويداء، وهو ما رفضته السلطات السورية، مؤكدة أن السويداء جزء لا يتجزأ من أراضيها، وأن المواطنين الدروز يشكلون جزءًا أصيلًا من النسيج الوطني.
وتتزامن هذه التطورات مع تقارير عن مساعٍ أمريكية لرعاية اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، ما يعكس دخول تل أبيب على أكثر من مسار في الساحة السورية، سواء عبر القنوات الرسمية أو من خلال الأقليات. وتشير المعلومات إلى تفاهمات يجري التفاوض بشأنها بين دمشق وتل أبيب بوساطة أمريكية، تشمل نزع السلاح من منطقة الجولان ومحيطها حتى السويداء، وحظر نشر أنظمة دفاع جوي أو صواريخ استراتيجية قرب الحدود، مقابل تقديم مساعدات مالية ضخمة لإعادة الإعمار وضمان استقرار الحكومة السورية.
كما ذكرت بعض المصادر أن لقاءات مباشرة جرت بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين في عواصم أوروبية، وهو ما اعتُبر مؤشرًا على انفتاح جديد في مسار ظل مغلقًا لعقود. ورغم نفي دمشق رسميًا وجود أي ترتيبات للقاءات رفيعة المستوى، فإن تداول هذه الأنباء في التوقيت الحالي يعكس تداخل المسارات، ويمنح ملف السويداء والدروز بعدًا إضافيًا، إذ تتحول المحافظة إلى نقطة تقاطع بين البُعد الطائفي والاعتبارات الأمنية والاستراتيجية لإسرائيل.
قال الدكتور يسري عبيد، الباحث في العلاقات الدولية لـ”داي نيوز” إن التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري الداخلي، والاقتحامات والتوغلات التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب السوري بين حين وآخر، بالإضافة إلى التهديدات المستمرة من قبل إسرائيل لدعم الطائفة الدرزية في سوريا سواء في السويداء أو في بعض مناطق الجنوب السوري، من شأنها عرقلة أي مسار للتوصل إلى تسوية شاملة للأزمة السورية.
وأشار عبيد إلى أن التحركات الإسرائيلية تستند إلى رؤية لإضعاف الدولة السورية، واستغلال الخلافات الطائفية في البلاد لتفكيكها إلى دويلات صغيرة، ما سيحولها إلى دولة ضعيفة لا تملك قوة عسكرية مركزية، وهو ما يصب في صالح إسرائيل، وفق قوله.
وأضاف أن هذه الاستراتيجية ليست جديدة، بل جزء من النهج الإسرائيلي المعروف في سوريا ولبنان، والذي يهدف إلى إضعاف دول الجوار وإشعال الفتن والصراعات الداخلية.
وأوضح عبيد أن أي طائفة أو مجموعة في المنطقة تتماهى مع السياسة الإسرائيلية تُعتبر حليفًا موثوقًا وليس مجرد أداة ضغط مؤقتة، مشيرًا إلى أن تاريخ الطائفة الدرزية مع إسرائيل يعكس هذا الولاء.
أكد عبيد أن إسرائيل تعتبر الدروز حلفاء ثابتين، حيث يشغل بعض أفراد الطائفة مناصب رفيعة في الجيش الإسرائيلي، ما يعكس ثقة تل أبيب الكبيرة بهم.
وأوضح أن مواقف الدروز في سوريا متباينة، فبين من يسعى للتعاون والانفصال عن الدولة السورية ومن يرفض هذا التوجه، يبقى الغالبية المتحالفة مع إسرائيل موالية على المدى الطويل، ما يجعلها ركيزة استراتيجية تعتمد عليها الدولة العبرية في المنطقة.