مقالات

أربع سنوات من حكم طالبان: عزلة دولية وصراع داخلي

بقلم| د.ريم أبو الخير

في الخامس عشر من أغسطس 2025، مرّت أربع سنوات على عودة حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان، ذكرى أعادت إلى الأذهان مشهد انسحاب القوات الأمريكية من كابول عام 2021 وسيطرة الحركة على السلطة. غير أن ما كان يُسوّق آنذاك بوصفه “فتحًا جديدًا” لم يجلب للبلاد سوى تضييق الحريات، تدهور أوضاع النساء، وتفاقم العزلة الدولية.

المرأة أولى الضحايا

منذ الأيام الأولى، فرضت طالبان سلسلة قيود صارمة على النساء منها حظر التعليم الجامعي والثانوي، منع العمل في معظم القطاعات، وإجبارهن على تغطية الوجه. وفي مايو 2022 صدر مرسوم يُحمّل أولياء الأمور الذكور المسؤولية عن التزام المرأة بالحجاب، في خطوة عكست رؤية الحركة لدور النساء كمجرد “تابع” بالأسرة. هذه السياسات أدت إلى نزيف في سوق العمل وخسائر اقتصادية، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الناتج المحلي تراجع بمعدل 20% منذ 2021، وأن نصف الشعب بات يعيش تحت خط الفقر.

احتجاجات نسوية

ورغم القمع، شهدت كابل ومدن أخرى وعدد من عواصم العالم في الذكرى الرابعة احتجاجات نسوية محدودة، رفعت شعارات مثل “الحرية حقنا” و“لا لعودة العصور المظلمة” والتي أظهرت أن جذوة الرفض الشعبي لم تنطفئ، وأن المرأة الأفغانية تواصل مقاومة سياسة الإقصاء.

عودة العقوبات الجسدية

أعادت طالبان مشاهد جلد الرجال والنساء في الساحات العامة، كما نفذت أحكام إعدام علني بحق متهمين بالقتل أو السرقة، هذه العقوبات، وإن كانت جزءًا من خطاب “العدالة الشرعية” الذي ترفعه الحركة، أعادت للأذهان سنوات التسعينيات المظلمة، وأكدت أن وعود طالبان بتغيير صورتها لم تتجاوز الشعارات.

الإعلام تحت الحصار

الإعلام الحر كان أحد أكثر المتضررين، أكثر من 50% من المؤسسات الإعلامية أُغلقت منذ 2021، فيما غادر مئات الصحفيين البلاد. تقرير “مراسلون بلا حدود” لعام 2024 وصف أفغانستان بأنها من أخطر البيئات للعمل الصحفي. وفي المقابل، ضخّت طالبان موارد هائلة في إعلام دعائي يروّج لرؤيتها، بينما تُسكت كل صوت مخالف.

تحقيق دولي

في مارس 2025، فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا أوليًا في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها طالبان، بما في ذلك القمع الممنهج للنساء وعمليات الإعدام التعسفي. ورغم أن الحركة رفضت التعاون، إلا أن الخطوة مثلت ضغطًا إضافيًا عليها في ساحة دولية تُدين سجلها الحقوقي.

المساعدات الدولية  والاقتصاد

اقتصاديًا، تعيش أفغانستان أزمة خانقة،  تجميد الأصول في البنوك الدولية، ووقف جزء كبير من المساعدات الخارجية، جعلا الحكومة عاجزة عن دفع الرواتب بانتظام أو توفير الخدمات الأساسية. ورغم أن بعض الدول مثل الصين وقطر وتركيا أبقت على قنوات اتصال اقتصادية، إلا أن الاستثمارات الكبرى لم تأتِ، نتيجة عدم استقرار البيئة الأمنية والقانونية.

موقف مصر والمنطقة

الموقف المصري ظل جامدًا، ورفض أي توظيف متشدد للدين يهدد حقوق الإنسان. وهو موقف يلتقي مع رؤية عدد من الدول العربية التي تراقب المشهد الأفغاني باعتباره اختبارًا للعلاقة بين الدين والسلطة، وما قد يحمله من انعكاسات إقليمية.

ازدواجية الخطاب الديني

رغم ما ترفعه طالبان من شعارات دينية صارمة، تسربت تقارير عن فساد مالي واستغلال نفوذ داخل صفوفها، ما يعكس التناقض بين الخطاب والسلوك. هذا التناقض بات مادة للسخرية بين الأفغان، حيث يُنظر إلى بعض قادة الحركة على أنهم يجمعون بين مظاهر التدين والثراء غير المشروع.

الذكرى الرابعة… احتفال رسمي وعزلة دولية

في المقابل، احتفلت طالبان بالذكرى الرابعة بوصفها “يوم النصر”، إذ أعلنت سفاراتها في عدة دول عطلة رسمية، ونظمت عروضًا عسكرية داخل أفغانستان، لكن خلف هذه الاحتفالات، يقف واقع قاسٍ: بلد منقسم، اقتصاد متعثر، ونظام يزداد عزلة. فالمجتمع الدولي لم يمنح طالبان الاعتراف الرسمي حتى الآن، فيما تزداد الفجوة بينها وبين شعبها.

أربع سنوات كانت كافية لتكشف حقيقة حكم طالبان، سلطة ترفع شعار الاستقرار بينما تُعيد إنتاج القمع، وتطالب بالاعتراف الدولي فيما تُصر على سياسات تبعدها عن العالم، وبينما تحاول الحركة فرض “شرعيتها” بالقوة، يبقى الشعب الأفغاني – وخاصة النساء – هو الطرف الذي يدفع الثمن، لكنه أيضًا صاحب الكلمة الفصل في مستقبل بلد لم يفقد بعد حلم الحرية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى