تحقيق صحفي يكشف تضليل إسرائيلي بشأن أعداد مقاتلي حماس القتلى في غزة

في ظل التطورات المتسارعة في قطاع غزة، وإعلان الأمم المتحدة الرسمي عن وجود مجاعة في القطاع، كشف تحقيق صحفي استقصائي مشترك أجرته صحيفة الجارديان البريطانية ومجلة +972 وموقع لوكال كول عن تضليل إسرائيلي ممنهج بشأن أعداد قتلى مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي. يلقي التحقيق بظلال من الشك على الاستراتيجية الإسرائيلية في غزة وفعاليتها.
أرقام متضاربة ووقائع صادمة
خلص التحقيق، استنادًا إلى قاعدة بيانات سرية للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تعود إلى شهر مايو 2025، إلى أن الأرقام التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية وقادة الجيش، والتي تراوحت بين 17,000 و20,000 قتيل من المقاتلين، هي أرقام مبالغ فيها بشكل كبير. تظهر قاعدة البيانات أن العدد الحقيقي لا يتجاوز 8,900 مقاتل، من أصل 47,653 مقاتلًا مدرجًا في القائمة. من بينهم 7,330 قتيلًا مؤكدًا و1,570 قتيلًا محتملًا.
الأرقام الواردة في التحقيق توضح حجم الخسائر البشرية والتكتيكات العسكرية المعتمدة:
* 8,900: عدد المقاتلين الذين قُتلوا أو يُحتمل أنهم قُتلوا من أصل 47,653 مقاتلًا في قاعدة البيانات.
* 300: عدد قادة حماس الكبار الذين قُتلوا أو يُحتمل أنهم قُتلوا من أصل 750 قائدًا.
* 5:1: النسبة بين المدنيين والمقاتلين الذين قُتلوا، أي خمسة مدنيين مقابل كل مقاتل، وهي نسبة صادمة تشير إلى الخسائر الهائلة بين المدنيين.
* 1 من كل 10: نسبة سكان غزة الذين قُتلوا أو جُرحوا منذ بدء الحرب.
* 20%: فقط من مساحة غزة بقيت مأهولة بالناجين، بعد الدمار الهائل والنزوح القسري.
* 15,000: عدد المقاتلين الجدد الذين جندتهم حماس خلال الحرب، وهو ضعف عدد من قُتلوا. وهذا يشير إلى فشل الاستراتيجية الإسرائيلية في تحقيق هدف “تدمير حماس”.
الحرب كـ”لعبة” والأرقام كـ”مقياس للنجاح”
يؤكد التحقيق أن الجيش الإسرائيلي تعامل مع أعداد القتلى من المقاتلين كـ”مقياس للنجاح”، في ظل غياب استراتيجية طويلة الأمد. ووفقًا لمصادر استخباراتية تحدثت للجارديان، كان الجنرال يوسي سريئيل، قائد وحدة الاستخبارات 8200، يرسل تحديثًا يوميًا يسمى «لوحة متابعة الحرب». قال أحد المصادر إن هذا العرض كان يُعامل وكأنه «مباراة كرة قدم، ضباط يجلسون يراقبون الأرقام ترتفع على اللوحة».
وأضافت المصادر أن سريئيل وغيره من القادة قدموا مقتل مقاتلي حماس كهدف بحد ذاته، دون أي نقاش حول كيفية السيطرة على غزة أو حكمها في حال انهيار حماس، أو حول التنازلات التي قد تحاول إسرائيل فرضها. وهذا يؤكد أن الهدف المعلن لنتنياهو بـ «تدمير حماس» هو هدف غامض يمكن ملاحقته إلى ما لا نهاية.
ردود فعل إسرائيلية متضاربة
لم ينكر جيش الاحتلال الإسرائيلي وجود قاعدة البيانات أو بيانات الضحايا عندما تواصل معه موقعا لوكال كول و+972. لكن عندما سألت صحيفة الجارديان البريطانية عن البيانات نفسها، قال متحدث إنه تقرر «إعادة صياغة» الرد. وفي بيان للجارديان، لم يتطرق جيش الاحتلال بشكل مباشر إلى الأسئلة حول قاعدة البيانات، واكتفى بالقول إن «الأرقام الواردة في المقال غير صحيحة»، دون أن يحدد أي بيانات يقصد. ولم يقدم المتحدث تفسيرًا لتقديم ردود مختلفة على مجموعة بيانات واحدة.
تشير هذه التناقضات إلى أن القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل ضللت العالم لمدة عامين بشأن حرب قتلت في معظمها مدنيين، وأن ما قدمته إسرائيل لمواطنيها وللعالم لم يكن سوى مبالغة مقصودة لإظهار «انتصارات» غير حقيقية، مع الاستعداد لهجوم جديد على غزة.
يبقى أن التقرير يسلط الضوء على أن تضخيم الأرقام كان جزءًا من استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى تبرير الخسائر البشرية الهائلة في صفوف المدنيين، وإظهار التقدم في تحقيق أهدافها العسكرية. لكن الأرقام تكشف أن هذه الأهداف لم تتحقق، وأن الحرب أدت إلى نتائج عكسية، كان من أبرزها تجنيد حماس لأعداد جديدة من المقاتلين تفوق أعداد من قُتلوا.