
تشهد شبه الجزيرة الإيبيرية واحدة من أسوأ الكوارث البيئية في تاريخها المعاصر، مع اندلاع حرائق غابات واسعة النطاق في إسبانيا والبرتغال، تزامناً مع موجة حر خانقة تجاوزت درجات الحرارة خلالها 44 مئوية.
وأجبرت الكارثة السلطات في البلدين على إجلاء مئات السكان، ونشر آلاف من عناصر الأمن والإطفاء في محاولة لاحتواء النيران التي تتسع رقعتها يوماً بعد يوم.
إسبانيا: حصيلة بشرية ومادية ثقيلة
تُظهر البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية الإسبانية أن الحرائق أتت حتى الآن على أكثر من 115 ألف هكتار من الغابات، بينها نحو 50 ألفاً في إقليم أورينسي بمنطقة غاليسيا، الذي يُعد الأكثر تضرراً.
وأجبرت النيران السلطات على إجلاء 575 شخصاً من قراهم في إقليم سالامانكا، فيما يشارك أكثر من 13,600 عنصر أمني وآلاف رجال الإطفاء في عمليات السيطرة على الحرائق.
لكن الخطر لم يقتصر على ألسنة اللهب، إذ كشفت بيانات معهد كارلوس الثالث للصحة العامة عن وفاة 1,149 شخصاً خلال الفترة بين 3 و18 أغسطس بسبب موجة الحر الحالية، ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية المصاحبة.
وفي خضم الأزمة، زار رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز المناطق المنكوبة، مؤكداً أن “الأيام المقبلة ستكون حاسمة”، وأعلن عن تعبئة إضافية لـ 500 جندي في إطار ما وصفه بأنه “أكبر عملية حماية مدنية أوروبية في التاريخ”. كما تعهّد بطرح “اتفاق وطني” للتأقلم مع تداعيات التغير المناخي.
البرتغال: نيران تتسع ومساعدة أوروبية عاجلة
الوضع في البرتغال لا يقل خطورة، إذ أعلنت السلطات أن الحرائق التهمت أكثر من 139 ألف هكتار من الغابات، أي ما يعادل 17 ضعفاً للمساحات المحترقة خلال الفترة نفسها من العام الماضي. الأخطر أن نصف هذه المساحات أُحرقت في غضون يومين فقط.
ويكافح أكثر من 3,200 رجل إطفاء تسعة حرائق كبرى، أبرزها في منطقتي أرغانيل وساتاو، فيما أسفرت النيران عن وفاة شخص وإصابة آخرين. ومع تفاقم الوضع، لجأت الحكومة إلى تفعيل آلية الحماية المدنية الأوروبية لطلب الدعم، حيث وصلت طائرات إطفاء إضافية من طراز Fire Boss للمساعدة في العمليات.
أزمة مناخية متصاعدة
يرى خبراء المناخ أن هذه الكارثة تمثل نموذجاً صارخاً لتداعيات التغير المناخي، الذي يجعل موجات الحر أكثر طولاً وحدة، ويرفع من احتمالية اندلاع حرائق غابات مدمرة.
وبينما تحاول مدريد ولشبونة مواجهة الكارثة الراهنة، تتجه الأنظار إلى المستقبل الذي يُتوقع أن يكون أكثر حرارة واشتعالاً، ما يضع المنطقة أمام تحديات كبرى في التكيف مع واقع مناخي جديد يهدد البيئة والإنسان معاً.