تقارير

بلوشستان.. ساحة الصراع الخفي بين إيران وإسرائيل والهند

أصبحت منطقة بلوشستان الممتدة بين إيران وباكستان محوراً لصراع إقليمي متشابك، بعدما تحولت من مجرد ساحة تمرد محلي إلى ميدان تجاذب دولي معقد، تلعب فيه أطراف عدة أدواراً بارزة، أبرزها إسرائيل والهند، ما دفع كلّاً من طهران وإسلام آباد إلى تعزيز تعاونهما الأمني لمواجهة التحديات المشتركة.

 زيارة فارقة ورسائل مشتركة

الزيارة الأولى للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى باكستان في 2 أغسطس/آب، شكّلت نقطة تحول في مسار العلاقات بين البلدين.

فقد تصدّرت الأزمة الأمنية في سيستان وبلوشستان جدول المباحثات، وشارك في الوفد الإيراني منصور بيجار، الحاكم الجديد للإقليم، في إشارة واضحة إلى مركزية هذا الملف.

البيان الختامي للزيارة حمل لغة غير معهودة في صراحتها، حيث أكد البلدان التزامهما بمواجهة الجماعات المسلحة على الحدود الطويلة التي تفصل بينهما.

 اتهامات مباشرة لإسرائيل

منذ فترة، تحدثت إيران عن تدخل “أطراف ثالثة” في الاضطرابات الحدودية، لكن الموقف أصبح أكثر وضوحاً بعد إعلان وزارة الاستخبارات الإيرانية في 28 يوليو عن إحباط تسلل 450 مقاتلاً أجنبياً خلال مواجهات مع إسرائيل في يونيو الماضي.

• تم رصد نحو 300 مقاتل قرب الحدود الجنوبية الشرقية لإيران.

• خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً، اعتقلت السلطات حوالي 21 ألف شخص بين مشتبه به ومطلوب للتحقيق.

واتهمت طهران إسرائيل صراحةً بتجنيد عناصر عبر جبهة تحرير بلوشستان المتحدة (BLUF)، التي تضم انفصاليين من جانبي الحدود.

تقارير إيرانية أشارت إلى أن تبادل المعلومات بين الانفصاليين وتل أبيب كلف إيران خسائر بشرية ومادية كبيرة.

 الهند حلقة الوصل

تعتبر إيران وباكستان أن إسرائيل لا تتحرك وحدها في هذا الملف، بل عبر “حلقة وصل” هندية.

• في يونيو، أعلن معهد MEMRI المؤيد لإسرائيل عن إطلاق “مشروع دراسات بلوشستان”، ما اعتُبر محاولة هندية–إسرائيلية لإعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة.

• بحسب باحثين باكستانيين، طورت الهند علاقات وثيقة مع جماعتي جيش تحرير بلوشستان وجبهة تحرير بلوشستان، وهو ما يجعلها قناة وصل أساسية مع إسرائيل.

• تدخل نيودلهي ليس جديداً؛ ففي 2016 اعتقلت باكستان الضابط البحري الهندي كولبهوشان جاداف، الذي اعترف بتنسيق عمليات تخريب في الإقليم.

 بلوشستان كحرب بالوكالة

تزايدت المؤشرات على أن بلوشستان تحولت إلى ساحة حرب بالوكالة:

• نشاط متنامٍ للاستخبارات الإسرائيلية عبر دعم الانفصاليين.

• استغلال الهند للورقة البلوشية للضغط على إسلام آباد وإرباك مشروع الحزام والطريق الصيني.

• دعوات علنية من بعض النشطاء البلوش مثل مير يار بلوش لإقامة دولة مستقلة تمتد بين إيران وباكستان، بدعم هندي.

 تقارب إيراني–باكستاني لمواجهة الخطر

رغم تبادل البلدين سابقاً للاتهامات بشأن إيواء المسلحين، بل وحتى تنفيذ غارات متبادلة مطلع 2024، فإن التدخلات الخارجية دفعت الطرفين إلى مراجعة مواقفهما.

• اتفقا على إنشاء آليات لتبادل المعلومات الاستخباراتية.

• وضعا بروتوكولات مشتركة لمكافحة الإرهاب على طول الحدود البالغة 900 كيلومتر.

•الهجمات اليومية لا تزال تستنزف الجيش الباكستاني، الذي فقد سبعة ضباط في شهر واحد فقط خلال كمائن مسلحة.

بلوشستان اليوم لم تعد أزمة محلية، بل عقدة جيوسياسية تتقاطع عندها مصالح كبرى:

• إيران ترى في الانفصاليين أداة إسرائيلية لزعزعة استقرارها.

• باكستان تواجه تهديداً لأمنها القومي ولمشروعها الاقتصادي مع الصين.

• الهند توظف الورقة البلوشية لإضعاف إسلام آباد.

• إسرائيل تستثمر في النزعة الانفصالية لفتح جبهة جديدة ضد طهران.

وفي المقابل، فإن نجاح التعاون الإيراني–الباكستاني سيحدد مستقبل التمرد البلوشي، إما بالانحسار أو بالتحول إلى صراع إقليمي طويل الأمد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى