تقارير

مصر وتركيا.. شراكة دفاعية تعيد رسم خرائط القوة الإقليمية

هدير البحيري

أفادت وسائل إعلام تركية أن تركيا وافقت على انضمام مصر إلى مشروع مقاتلتها الشبحية من الجيل الخامس “قآن” (KAAN)، في خطوة تمثل محطة بارزة في مسار التعاون العسكري المتنامي بين البلدين بعد سنوات من التوتر.

أبدت مصر، التي تمتلك أحد أكبر أسلحة الجو في المنطقة، اهتمامًا متزايدًا بتنويع مصادر التسليح.

ويضم أسطولها الجوي نحو 210 طائرات F-16، و78 ميراج-5، و19 ميراج-2000 إلى جانب مقاتلات أحدث مثل ميغ-29M  ورافال.

وتُشير التقارير إلى أن الدور المصري في مشروع “قآن” لن يقتصر على شراء الطائرات فقط، بل قد يشمل نقل التكنولوجيا، تصنيع المكونات، وحتى التجميع المحلي، بما يتماشى مع هدف القاهرة طويل المدى في توطين الصناعات الدفاعية.

وقال الرئيس الأسبق لأركان القوات الجوية المصرية اللواء طيار أركان حرب، حسن راشد، في تصريحات لصحيفة ” العربي الجديد ” إن الإنتاج المشترك مع تركيا سيكون خطوة إيجابية للغاية، لأنه سيعود بفوائد كبيرة على القوات المسلحة المصرية”، مضيفًا: “لا يمكننا الاعتماد في تسليحنا على دولة أو دولتين فقط”.

وأشارت مصادر مصرية لصحيفة ” The Arab Weekly ” إلى أن التعاون العسكري الصناعي مع تركيا يحمل أبعادًا سياسية أيضًا، إذ يهدف إلى طي صفحة الخلافات السابقة وفتح المجال أمام جهود مشتركة لحل أزمات المنطقة بما يخدم مصالح الطرفين.

ويرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام إطلاق مشروع دفاعي إقليمي أوسع يضم دولًا عربية أخرى، في إطار ترتيبات جماعية للأمن.

ذكر موقع ” Tactical Report” المتخصصة في الشؤون الدفاعية والجيوسياسية في الشرق الأوسط أن اهتمام القاهرة بالانضمام إلى مشروع “قآن” برز خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة، في سبتمبر الماضي، حيث أبدى اهتمامه بالمقاتلة المتوقع دخولها الخدمة بحلول 2030، كما ناقش مع المسؤولين الأتراك منظومة الدفاع الجوي “القبة الفولاذية”.

وفي أعقاب ذلك، زار وفد من القوات الجوية المصرية تركيا للاطلاع على النموذج الأولي للمقاتلة وخطوط إنتاجها، وأبدى تقييمًا إيجابيًا لها.

وفي مايو الماضي، قام رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، الفريق أحمد خليفة بزيارة أنقرة، في إطار بدء مرحلة جديدة من التعاون العسكري، حيث تفقد شركات دفاعية تركية والتقى مسؤولين بارزين بينهم رئيس الأركان التركي الفريق متين جوراك ووزير الدفاع يشار جولار، خلال انعقاد الدورة الرابعة للجنة العسكرية المشتركة بين البلدين.

من المنتظر أن يشهد نهاية عام 2025 توقيع اتفاق رسمي بين القاهرة وأنقرة حول مشروع المقاتلة “قآن”، وذلك بعد أن قام وفد مصري خلال الشهور الماضية بتفقد النموذج الأولي للطائرة في مراحلها الاختبارية الأولى، في خطوة تعكس جدية التوجه نحو شراكة عسكرية متقدمة بين البلدين.

مشروع تركيا ومقاتلة قآن

صُممت المقاتلة التركية “قآن” لتحل محل أسطول أنقرة من طائرات F-16 الأمريكية.

أطلق مشروع المقاتلة “قآن” عام 2016، ليجسد طموح تركيا في إنتاج بديل محلي للطائرات الغربية المقاتلة، على أن تدخل الخدمة بحلول 2030.

وشهدت طائرة “قآن” أولى رحلاتها التجريبية في 21 فبراير 2024، حيث حلّقت لمدة 13 دقيقة وبلغت ارتفاع 8 آلاف قدم بسرعة 230 عقدة، قبل أن تنجح في خوض تجربة ثانية في 6 مايو من العام ذاته استمرت 14 دقيقة، وصلت خلالها إلى ارتفاع 10 آلاف قدم وبالسرعة نفسها.

وقد عززت هذه التجارب الناجحة الثقة في المشروع، ما دفع إندونيسيا إلى توقيع عقد لشراء 48 مقاتلة من الجيل الخامس التركية، على هامش معرض الصناعات الدفاعية الدولي الـ17 “آيدف 2025” في إسطنبول.

وتسعى أنقرة إلى تسويق الطائرة لدول أخرى عبر عروض سعرية أقل تكلفة من مقاتلات “إف-35” وبشروط أكثر مرونة، في وقت يخطط فيه سلاح الجو التركي لاقتناء نحو 250 طائرة. وبهذا، تستعد تركيا للانضمام رسميًا إلى نادي مصنّعي مقاتلات الجيل الخامس، الذي يقتصر حتى الآن على الولايات المتحدة والصين وروسيا.

ويُوصف مشروع “قآن”، الذي تطوره شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (توساش – TUSAŞ)، بأنه مقاتلة متعددة المهام قادرة على العمل في مختلف الظروف الجوية، وتوفر تفوقًا جويًا، كما يُتوقع أن تحل محل أسطول مقاتلات “إف-16” لدى سلاح الجو التركي.

وتتمتع الطائرة بحسب موقع “الدفاع التركي ” (SavunmaTR)  بقدرات فائقة في أساليب القتال جو-جو وأرض-أرض ما يساعد في فرض الهيمنة الجوية وتوجبه ضربات دقيقة بسرعة تفوق سرعة الصوت تصل إلى 1.8 ماخ، إضافة إلى قدرات قتالية معززة بالذكاء الاصطناعي.

كما تتمتع “قآن” بقدرة على الاشتباك والقتال دون طيار، ومركز للقيادة والتحكم، فهي تمتلك جميع قدرات طائرات الجيل الخامس المقاتلة، بما في ذلك سرعة طيران فائقة، وقدرة عالية على المناورة، فضلا عن التخفي الراداري المنخفض.

شراكة مصرية-تركية: تصنيع محلي ونفوذ إقليمي متنامٍ

وتُعد هذه المرة الأولى التي ترتقي فيها مصر وتركيا بالتعاون العسكري الصناعي إلى مستوى إنتاج مقاتلة شبحية بخصائص متطورة، وهو ما قد يغير ميزان القوة الجوية في المنطقة، خاصة في ظل تفوق إسرائيل العسكري على إيران مدعومة بالدعم الأمريكي الكامل.

إلى جانب مصر، أعلنت إسبانيا انضمامها إلى التعاون مع تركيا في مشروع “قآن”، في انعكاس للتطور المتسارع في العلاقات السياسية بين مدريد وأنقرة، كما أبدت الإمارات اهتمامًا بالمشاركة، في ظل صعود صناعة الدفاع التركية عالميًا.

ويُعد نجاح تركيا في استقطاب مصر وإسبانيا والإمارات إلى مشروع “قآن” إنجازًا استراتيجيًا لصناعاتها الدفاعية، إذ يعزز الاستثمارات في البحث والتطوير، ويسرع وتيرة الإنتاج، ويخفض الكلفة، ويزيد من القدرة التنافسية عالميًا، فضلًا عن إمكانية إرساء توازن جديد في موازين القوة الجوية الإقليمية.

وتُشير التقارير إلى أن اهتمام القاهرة لا يقتصر على “قآن” فقط، إذ تبحث مصر أيضًا في شراء طائرات مسيّرة تركية، وصواريخ  TRLG-230، ونظم صواريخ مضادة للدبابات L-UMTAS، إلى جانب ذخائر ذكية صغيرة الحجم.

ويمثل هذا التعاون محطة فارقة تُعد أجرأ تحرك لمصر حتى الآن نحو امتلاك قدرات قتال جوي من الجيل الجديد، ما يضع القاهرة على مسار سريع لتصبح أول دولة إفريقية تشارك في إنتاج مقاتلة شبحية من هذا المستوى.

يشمل الاتفاق على نقل التكنولوجيا وإنشاء بنية تحتية للإنتاج المشترك، إضافة إلى خارطة طريق للتوريد تتيح دمج مقاتلات “قآن” ضمن أسطول القوات الجوية المصرية. وإذا تم تطبيق حقوق التصنيع المحلي بالكامل، ستتمكن مصر من إنتاج الطائرات الشبحية على أراضيها، مما يعزز مكانتها كقوة صناعية بارزة في مجال الطيران ويمنحها نفوذًا مؤثرًا داخل الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، وفقًا لما نقلته صحيفة “تركيا توداي”.

أما بالنسبة لتركيا، فإن دخول مصر على خط برنامج “قآن” يمنح المشروع مكاسب استراتيجية تتجاوز إطار العلاقات الثنائية، إذ يوفر تمويلًا إضافيًا، ويزيد من قدرات الإنتاج، ويمنح المقاتلة الشبحية التركية مصداقية أكبر كمنافس عالمي في سوق يسيطر عليه تقليديًا كل من F-35 الأمريكية وJ-20 الصينية وSu-57 الروسية.

مشروع ‘قآن’ يعيد رسم توازن القوى في الشرق الأوسط


قال الخبير في الشؤون التركية، شهاب الدين محمود،  في حوار خاص مع “داي نيوز – Day News”
، إن التعاون التركي-المصري في مشروع تطوير المقاتلة الشبحية “قآن” يمثل أحدث ملامح التقارب العسكري المتزايد بين البلدين، ويؤثر بشكل مباشر على توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط.

وأضاف أن مثل هذه المشاريع المشتركة تُزعج استراتيجية “التفوق النوعي” التي تتبناها إسرائيل منذ سنوات، وقد تدفع تل أبيب إلى إعادة تقييم استراتيجياتها.

وأشار شهاب الدين إلى أن التقارب التركي-المصري يُسهِم أيضًا في إضعاف الدور التقليدي لإيران كقوة موازنة في المنطقة، ويؤهل كلا البلدين لأن يكونا فاعلين أكثر قدرة على حفظ الاستقرار والقيام بدور الوساطة، بالإضافة إلى تعزيز أدوارهما كركائز أمنية ودبلوماسية.

وأضاف الخبير في الشؤون التركية أن التعاون العسكري مع مصر سيعزز قدرة تركيا على التأثير دبلوماسيًا وعسكريًا على المستويين الإقليمي والعالمي.

وقال شهاب الدين إن التعاون المصري-التركي في مشروع المقاتلة “قآن” قد يواجه تحديات مزدوجة، تقنية وسياسية.

على الصعيد التقني، أشار إلى أن اعتماد المشروع على تقنيات حساسة مرخصة من دول أخرى يستلزم حصول تركيا على الموافقات اللازمة لمشاركتها مع مصر، كما قد يواجه دمج الأنظمة التركية مع البنية الدفاعية المصرية، التي تعتمد على تقنيات أجنبية، صعوبات في التوافق والتدريب.

أما على الصعيد السياسي، فأوضح شهاب الدين أن المشروع يثير قلقًا أمنيًا لدى إسرائيل وبعض دول المنطقة، ما قد يفرض ضغوطًا دبلوماسية تعرقل تقدم التعاون.

وأكد شهاب الدين أن التعاون بين مصر وتركيا في تطوير المقاتلة “قآن” يمثل خطوة استراتيجية تمهد لتشكيل تحالفات دفاعية أوسع في المنطقة.

وأوضح أن المشروع سيعزز القدرات الصناعية والعسكرية للبلدين ويمنحهما دورًا مؤثرًا في توازن القوى الإقليمي، كما سيمهد الطريق لشراكات دفاعية مع دول أخرى تبحث عن تنويع مصادر تسليحها وعدم الاعتماد على الدول الغربية، مشددًا أن “قآن” يمثل حجر الزاوية في هذه الشراكات ويعزز الدور الاستراتيجي لمصر وتركيا على مستوى المنطقة والعالم.

بعد سنوات من الجمود: القاهرة وأنقرة على طريق الشراكة الاستراتيجية

تشهد العلاقات المصرية-التركية تطورًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، بعد سنوات من القطيعة والجمود منذ سقوط حكم “الإخوان” في مصر عام 2013، حتى بدأ التحسن تدريجيًا في عام 2020، مع تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين، وصولًا إلى النقلة النوعية التي شهدتها العلاقات الثنائية العام الماضي، بتبادل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان للزيارات.

مثلت زيارة وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إلى القاهرة في 9 أغسطس 2025، والتي التقى خلالها الرئيس المصري وعددًا من كبار المسؤولين، محطة جديدة عكست تسارع وتيرة التقارب بين البلدين. وأوضح فيدان أن حجم التبادل التجاري بين القاهرة وأنقرة بلغ 9 مليارات دولار في 2024، مع خطط لرفعه إلى 15 مليار دولار خلال السنوات المقبلة.

وشكل عام 2023 نقطة تحول مهمة من خلال تبادل التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء، أعقبها لقاءات رئاسية عززت الانفتاح بين القاهرة وأنقرة، وفتحت المجال أمام تعاون متنامٍ في مجالات التجارة والطاقة والدفاع.

وعلى الصعيد العسكري، شهدت العلاقات الدفاعية نقلة نوعية عبر سلسلة من المناورات والتدريبات المشتركة، أبرزها مشاركة مصر في مناورات “إيفيس 2024” التي جمعت 45 دولة، وتنفيذ قوات خاصة من الجانبين تدريبًا مشتركًا في أبريل 2025.

وقد توّج هذا المسار بانضمام القاهرة لأول مرة بصفة فعلية إلى مناورات “النسر الأناضولي” في مدينة قونية بين 23 يونيو و4 يوليو 2025، ما يعكس انتقال التعاون إلى مستوى غير مسبوق في تاريخ العلاقات العسكرية بين البلدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى