اقتصاد وتكنولوجيا

آسيا بين الفحم والطاقة المتجددة.. سباق مصيري في مواجهة التغير المناخي

في لحظة حاسمة من تاريخها، تقف القارة الآسيوية أمام خيار استراتيجي بالغ الأهمية: إما الاستمرار في الاعتماد على الفحم كمصدر رئيسي للطاقة، بكل ما يحمله من أعباء بيئية واقتصادية وصحية، أو تسريع التحول نحو الطاقة المتجددة التي تمثل مستقبلًا أكثر استدامة وأمانًا.

 عبء الفحم على آسيا

تُعد آسيا اليوم أكبر مستهلك للفحم عالميًا، حيث تضم أكثر من 2000 محطة طاقة تعمل بالفحم، أي ما يقارب 78% من القدرة الإنتاجية العالمية.

وتعتمد دول مثل الصين والهند وإندونيسيا وفيتنام على الفحم لتلبية نحو 60% من احتياجاتها من الكهرباء.

لكن هذا الاعتماد المكثف يترتب عليه إطلاق ما يقرب من 7.2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، أي ما يعادل 20% من الانبعاثات العالمية المرتبطة بالطاقة، وهو ما يجعل القارة في قلب أزمة المناخ العالمية.

الأضرار لا تتوقف عند البيئة، إذ يفاقم التلوث الناتج عن محطات الفحم مشكلات الصحة العامة، مسبّبًا أمراض الجهاز التنفسي ومعدلات وفيات مبكرة. كما يؤثر سلبًا على المزارعين والصيادين بسبب تلوث الهواء والماء والتربة.

ضغوط دولية وجداول زمنية

وفقًا لتوصيات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يتعين على دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إيقاف استخدام الفحم نهائيًا بحلول 2030، بينما يُنتظر من بقية دول العالم إنهاء الاعتماد عليه بحلول 2040.

غير أن أصواتًا بيئية داخل آسيا تطالب بجداول زمنية أكثر طموحًا، تدعو إلى التخلص من الفحم بحلول 2035، مع إغلاق فوري لبعض المحطات الأكثر تلويثًا.

 اقتصاديات الفحم تحت المجهر

من الناحية الاقتصادية، أصبح الاعتماد على الفحم مكلفًا. فقد شهدت المنطقة خلال أزمة الطاقة قبل ثلاث سنوات ارتفاع أسعار الفحم إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، مما أثقل كاهل الدول المستوردة مثل الهند وباكستان وبنغلاديش.

في المقابل، أظهرت بيانات عام 2024 أن أكثر من 90% من مشروعات الطاقة المتجددة الجديدة كانت أرخص من أي محطة جديدة تعمل بالفحم أو الغاز. كما أن آسيا تمتلك إمكانات هائلة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مع انخفاض تكاليف الإنتاج وتطور تقنيات التخزين.

 تفوق الطاقة المتجددة

لم يعد التحول للطاقة المتجددة مجرد التزام بيئي، بل بات خيارًا اقتصاديًا وأمنيًا أيضًا. فقد أثبتت التجارب أن الطاقة الشمسية والرياح، مع تقنيات تخزين البطاريات الحديثة، قادرة على تلبية الطلب بكفاءة أعلى وتكلفة أقل، من دون التعرض لمخاطر تقلبات الأسعار العالمية.

تحدي العدالة في التحول الطاقي

رغم الإيجابيات، يبقى التحدي الأبرز أمام آسيا هو العدالة الاجتماعية في التحول الطاقي.

إذ يعمل في قطاع الفحم أكثر من 8.4 مليون شخص (أي نحو 80% من عمال الفحم في العالم)، ما يستلزم خططًا شاملة لدعم العمال والمجتمعات المتضررة وضمان انتقال عادل ومتوازن نحو الاقتصاد الأخضر.

اليوم، تجد آسيا نفسها أمام لحظة تاريخية: إما أن تظل أسيرة الفحم بتكاليفه الباهظة، أو أن تقود العالم نحو مستقبل طاقي نظيف ومستدام، لتصبح نموذجًا عالميًا في مواجهة التغير المناخي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى