قمة ألاسكا… حين تعود رياح الحرب الباردة بنسخة القرن الحادي والعشرين

في مشهد سياسي حبس أنفاس العالم، تحولت ولاية ألاسكا الباردة إلى مسرح لواحدة من أكثر القمم إثارة للجدل في السنوات الأخيرة، حيث التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، وسط اهتمام دولي غير مسبوق، وتوقعات متباينة لما قد تسفر عنه المحادثات بين القوتين النوويتين الأكبر في العالم.
هذا اللقاء لم يكن مجرد اجتماع ثنائي عابر، بل أعاد إلى الذاكرة صور القمم التاريخية التي كانت تجمع رؤساء الولايات المتحدة وزعماء الاتحاد السوفيتي في ذروة الحرب الباردة، حين كان العالم يقف على أطراف أصابعه، مترقبًا ما قد يخرج من وراء الأبواب المغلقة.
ذاكرة القمم… من كامب ديفيد إلى مالطا
تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب حافل بمحطات مفصلية شكّلت ملامح النظام العالمي. فمن قمة كامب ديفيد عام 1955 بين الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور والزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف، مرورًا بـ قمة موسكو عام 1973 بين ريتشارد نيكسون وليونيد بريجنيف، وصولًا إلى قمة ريكيافيك عام 1985 التي جمعت رونالد ريغان بميخائيل غورباتشوف، وأخيرًا قمة مالطا عام 1989 بين غورباتشوف وجورج بوش الأب، والتي شهدت الإعلان الرسمي عن انتهاء الحرب الباردة.
سياق جديد… ولكن بروح قديمة
صحيح أن السياق التاريخي اليوم مختلف، وأن موازين القوى بين واشنطن وموسكو لم تعد كما كانت إبان الحرب الباردة، إلا أن قمة ألاسكا عكست حقيقة لا يمكن إنكارها: فلاديمير بوتين نجح في إعادة روسيا إلى دائرة الكبار، قوة عظمى لا يمكن تجاهلها، وخصم يُحسب له ألف حساب على الساحة الدولية.
فبعد عقود من التراجع والانكماش التي تلت انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، خصوصًا في عهد الرئيس الأسبق بوريس يلتسين، استطاع بوتين أن يمسح صورة روسيا كدولة هشة كانت مادة للتندر في مجالس الغرب، ليعيد رسم ملامحها كقوة وازنة تمسك بخيوط عدة ملفات دولية، من أوكرانيا وسوريا، إلى الطاقة والأمن السيبراني.
العالم يترقب… والنظام الدولي على المحك
المحادثات في ألاسكا ليست مجرد حوار بروتوكولي، بل اختبار لإمكانية صياغة قواعد جديدة للعبة السياسية بين القوتين، في زمن تتغير فيه التحالفات وتتبدل موازين النفوذ.
وبين من يرى فيها فرصة لتخفيف التوترات، ومن يتوجس من تصاعد حدة الصراع، تبقى الحقيقة أن العالم بأسره كان يراقب ألاسكا، كما كان يراقب ريكيافيك ومالطا قبل عقود.
قمة ألاسكا ليست حربًا باردة جديدة… لكنها بالتأكيد ليست سلامًا دافئًا.