مبيد حشري يتسبب في وفاة أب وأطفاله الستة في المنيا: النيابة تكشف تفاصيل مأساوية

هزت محافظة المنيا بصعيد مصر واقعة مأساوية أثارت الحزن والصدمة بين المصريين، حيث توفي أب وأطفاله الستة في قرية دلجا التابعة لمركز دير مواس، بسبب تسمم ناتج عن مبيد حشري.
كشفت النيابة العامة المصرية، يوم السبت 26 يوليو 2025، عن تفاصيل الحادثة بعد تحقيقات مكثفة أظهرت وجود مادة سامة في عينات الضحايا.
تفاصيل الواقعة
بدأت القصة بوفاة ستة أطفال أشقاء تتراوح أعمارهم بين 5 و14 عاماً، تباعاً خلال أيام، بعد نقلهم إلى مستشفى دير مواس المركزي إثر ظهور أعراض مرضية خطيرة تشمل ارتفاعاً شديداً في درجة الحرارة، القيء، التشنجات، واضطرابات عصبية حادة.
الأطفال الستة، وهم من أسرة واحدة، فارقوا الحياة على مراحل بين 11 و23 يوليو 2025، حيث توفي ثلاثة منهم يوم الجمعة 11 يوليو، ثم لحق بهم الرابع في اليوم التالي، والخامسة في 16 يوليو، وأخيراً الطفلة “فرحة” (14 عاماً) التي كانت الناجية الوحيدة لفترة قصيرة، لكنها توفيت في 23 يوليو بمستشفى الأيمان بأسيوط بعد تدهور حالتها رغم الرعاية الطبية المكثفة.
والد الأطفال، ناصر محمد، توفي يوم الجمعة 25 يوليو 2025، بعد ظهور نفس الأعراض عليه، مما أثار شكوكاً حول سبب غير طبيعي للوفيات.
التحقيقات الأولية استبعدت الأمراض المعدية مثل التهاب السحايا، لكنها ركزت على احتمالية التسمم بمادة كيميائية.
تحقيقات النيابة ونتائج الطب الشرعي
أمرت النيابة العامة بإجراء تحريات عاجلة من إدارة البحث الجنائي، واستمعت إلى شهادات أقارب الأسرة وذويهم، كما أجرت معاينة دقيقة لمنزل الأسرة لتحديد مصدر التسمم.
وقررت النيابة انتداب مصلحة الطب الشرعي لتشريح جثامين المتوفين وسحب عينات حشوية ودموية لتحليلها في المعامل المركزية.
أظهرت التقارير وجود مادة سامة في عينات الأطفال والأب، تم التعرف عليها لاحقاً كمبيد حشري نادر الاستخدام يُعرف تجارياً باسم “وندر” (الاسم العلمي: كلورفينبير).
هذا المبيد، المستخدم عادةً في رش المحاصيل الزراعية مثل الفاكهة والخضروات، يتم تخفيفه في كميات كبيرة من الماء، لكنه شديد السمية إذا تم استنشاقه أو ابتلاعه، ويؤدي إلى تلف الجهاز العصبي المركزي خاصة عند التعرض المطول أو المتكرر.
واقعة أخرى مرتبطة
في تطور لاحق، أصيب خمسة أطفال آخرين من أسرة مختلفة في قرية الناصرية التابعة لنفس المركز (دير مواس) بحالة تسمم مشابهة يوم 24 يوليو 2025، وتم نقلهم إلى المستشفى. المصابون هم: حسن محمد (5 أعوام)، حسين محمد (3 أعوام)، عبد الرحمن محمد (عامان)، محمد أحمد (3 أعوام)، ومصباح محمد (عامان).
لحسن الحظ، تحسنت حالتهم الصحية بعد تلقي العلاج، وأصبحت مستقرة. هذه الواقعة أثارت مخاوف إضافية بين الأهالي، خاصة أن الأعراض تطابقت مع حالة الأطفال الستة المتوفين، مما دفع السلطات إلى تكثيف التحقيقات لمعرفة مصدر المبيد وكيفية وصوله إلى الأطفال.
مخاوف من تداول المبيدات السامة
أثارت الحادثة تساؤلات خطيرة حول الرقابة على تداول المبيدات الحشرية في مصر، خاصة أن المبيد المشتبه به محظور في أوروبا بسبب خطورته، لكنه لا يزال متاحاً في السوق المصرية، ويُباع أحياناً عبر الإنترنت دون تنظيم صارم.
وأشار خبراء إلى أن المبيد “كلورفينبير” يُستخدم لمكافحة الحشرات الزراعية مثل العث والعناكب الحمراء، لكنه يشكل خطرًا كبيرًا على الصحة العامة إذا أُسيء استخدامه داخل المنازل أو في بيئات غير زراعية. كما حذروا من تأثيراته طويلة الأمد على المياه الجوفية وأنظمة الصرف الصحي.
ردود فعل وتحركات رسمية
تتابع وزارة الصحة المصرية الواقعة عن كثب، حيث أكدت إجراء متابعة دقيقة منذ البلاغ الأول في 12 يوليو 2025، مع تقديم كافة أوجه الرعاية الطبية للأطفال المصابين.
وتواصل النيابة التحقيق لكشف ملابسات الحادث، بما في ذلك مصدر المبيد وكيفية تعرض الأسرة له. كما دعت الأهالي إلى توخي الحذر عند استخدام المبيدات الحشرية، والتأكد من حفظها بعيداً عن متناول الأطفال.
تأثير الواقعة على المجتمع
تركت الواقعة حالة من الحزن والذعر في قرية دلجا ومحافظة المنيا، حيث يعيش الأهالي حالة من القلق مع ظهور حالات تسمم جديدة.
وطالبت أصوات محلية بتشديد الرقابة على بيع المبيدات الحشرية وتوعية المواطنين بمخاطرها، خاصة في المناطق الريفية التي تعتمد على الزراعة. الحادثة أعادت إلى الأذهان ضرورة تحسين إجراءات السلامة العامة وضرورة حظر المواد الكيميائية الخطرة التي تشكل تهديداً على حياة المواطنين، خاصة الأطفال.