كمبوديا تدعو لوقف فوري لإطلاق النار مع تايلاند وسط تصاعد الاشتباكات الحدودية

أعلن السفير الكمبودي لدى الأمم المتحدة، تشيا كيو، يوم الجمعة 25 يوليو 2025، عن رغبة بلاده في “وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار” مع تايلاند، بعد يومين من الاشتباكات العنيفة على الحدود المشتركة بين البلدين.
جاء هذا التصريح عقب اجتماع طارئ مغلق لمجلس الأمن الدولي في نيويورك، دعت إليه كمبوديا لمناقشة النزاع المتفاقم.
وأعرب السفير كيو عن استيائه من اتهامات تايلاند لكمبوديا ببدء الاشتباكات، قائلاً: “كيف يمكن لدولة صغيرة مثل كمبوديا، بجيش أصغر ثلاث مرات وبدون قوة جوية، أن تهاجم جارة كبيرة مثل تايلاند؟”.
وأضاف أن مجلس الأمن دعا الطرفين إلى ممارسة “أقصى درجات ضبط النفس” والسعي لحل دبلوماسي للأزمة، وهو ما تدعمه كمبوديا. ولم يدلِ أي مشارك آخر في الاجتماع بتصريحات علنية.
تصاعد النزاع الحدودي
تفاقم الصراع بين تايلاند وكمبوديا، الواقعتين في جنوب شرق آسيا، خلال اليومين الماضيين، ليصل إلى مستوى غير مسبوق من العنف منذ عام 2011. شهدت الحدود، التي تمتد لمسافة 508 أميال، اشتباكات عنيفة بدأت يوم الخميس 24 يوليو 2025، بتبادل إطلاق نار باستخدام أسلحة ثقيلة.
ردت تايلاند بشن غارات جوية بطائرات إف-16 على مواقع عسكرية كمبودية، بينما أطلقت كمبوديا قذائف مدفعية أصابت مناطق مدنية، بما في ذلك محطة وقود ومستشفى في تايلاند. وواصلت تايلاند غاراتها الجوية يوم الجمعة، مما زاد من حدة التوتر.
حصيلة الضحايا
أعلن الجنرال مالي سوشاتا، المتحدث باسم وزارة الدفاع الكمبودية، يوم السبت 26 يوليو 2025، عن سقوط 12 قتيلاً جديدًا من الجانب الكمبودي، بينهم سبعة مدنيين وخمسة جنود، ليصل إجمالي القتلى في كمبوديا إلى 13 قتيلاً وخمسة جرحى.
من جانبها، أفادت تايلاند بمقتل 19 شخصًا، بينهم 13 مدنيًا (منهم أطفال) وستة جنود، إضافة إلى إصابة 29 جنديًا و30 مدنيًا. وبذلك، بلغ إجمالي القتلى من الجانبين 32 شخصًا، مع إجلاء أكثر من 138 ألف مدني من المناطق الحدودية التايلاندية و23 ألفًا من كمبوديا.
خلفية النزاع
يعود النزاع إلى نزاعات حدودية تاريخية تعود إلى أكثر من قرن، تحديدًا إلى معاهدة 1907 بين فرنسا (التي كانت تسيطر على كمبوديا) والمملكة السيامية (تايلاند حاليًا).
تسببت خرائط تلك الفترة غير الواضحة في نزاعات مستمرة حول مناطق مثل معبدي برياه فيهير وتا موان ثوم. تصاعدت التوترات في مايو 2025 بعد مقتل جندي كمبودي في اشتباك، وتفاقمت الأزمة يوم الأربعاء 23 يوليو عندما أصيب خمسة جنود تايلانديين بانفجار ألغام، اتهمت تايلاند كمبوديا بزراعتها، وهو ما نفته الأخيرة. أدت هذه الحادثة إلى سحب تايلاند سفيرها من بنوم بنه وطرد السفير الكمبودي من بانكوك.
اتهامات متبادلة ودعوات دولية
تبادل الطرفان الاتهامات ببدء الاشتباكات. اتهمت تايلاند كمبوديا باستخدام طائرات بدون طيار وإطلاق صواريخ على مناطق مدنية، بينما اتهمت كمبوديا تايلاند باستخدام قنابل عنقودية محظورة دوليًا، وهو ما أكدته هيئة مكافحة الألغام الكمبودية، مشيرة إلى أن هذه الأسلحة استُخدمت في منطقتين قرب الحدود. ونفت تايلاند هذه الاتهامات، مؤكدة أنها لا تخضع لاتفاقية حظر القنابل العنقودية.
دعت دول مثل الولايات المتحدة والصين وأستراليا والاتحاد الأوروبي إلى وقف فوري للأعمال العدائية. كما عرضت ماليزيا، بصفتها رئيسة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، التوسط لإنهاء النزاع، لكن تايلاند رفضت التدخل الخارجي، مفضلة الحل الثنائي. وأشار رئيس الوزراء الكمبودي هون مانيت إلى موافقة تايلاند المبدئية على وقف إطلاق النار قبل أن تراجعت عنه، وهو ما وصفه بـ”الأمر المؤسف”.
وضع إنساني متدهور
أدت الاشتباكات إلى نزوح جماعي، حيث لجأ المدنيون إلى مراكز إيواء في المعابد والمدارس. في تايلاند، أُجلي أكثر من 138 ألف شخص من أربع مقاطعات حدودية، بينما أُجلي حوالي 23 ألفًا من مقاطعتي أودار مينشي وبرياه فيهير في كمبوديا.
وأفادت تقارير بأن القتال هو الأعنف منذ السبعينيات، مما أثار مخاوف من تصعيد قد يؤدي إلى حرب شاملة إذا لم يتم احتواء الوضع.
مع استمرار الاشتباكات وارتفاع حصيلة الضحايا، تتزايد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار وحل النزاع سلميًا. يظل الوضع متأزمًا بسبب العداء التاريخي والقومية المتأججة بين البلدين، فضلاً عن انهيار العلاقات الشخصية بين قادة سابقين مثل هون سين وثاكسين شيناواترا، مما يعقد جهود التهدئة. يبقى الحل الدبلوماسي هو الأمل الوحيد لتجنب المزيد من الخسائر البشرية والدمار.