اقتصاد وتكنولوجيا

إنجاز تاريخي: ألواح شمسية يابانية جديدة تُنتج طاقة توازي 20 مفاعلاً نووياً

في خطوة ثورية نحو الطاقة المتجددة، تُراهن اليابان على تكنولوجيا خلايا البيروفسكايت الشمسية لتحقيق تحول جذري في مشهد الطاقة العالمي. هذه الألواح الشمسية المرنة فائقة الرقة، التي يمكن تركيبها على النوافذ، الجدران، أسطح السيارات، وحتى أعمدة الإنارة، تُعد بإنتاج طاقة تعادل إنتاج 20 مفاعلاً نووياً بحلول عام 2040.

يأتي هذا الإنجاز في سياق سعي اليابان لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، واستعادة مكانتها في سوق الطاقة الشمسية بعد تراجع حصتها إلى أقل من 1% بسبب هيمنة الصين.

 من فوكوشيما إلى ثورة الطاقة النظيفة

كارثة فوكوشيما النووية عام 2011، التي تسبب فيها زلزال مدمر وتسونامي أدى إلى تسرب إشعاعي ونزوح أكثر من 160 ألف شخص، شكّلت نقطة تحول في سياسات الطاقة اليابانية.

بعد هذه المأساة، أدركت اليابان الحاجة الملحة لتقليل الاعتماد على الطاقة النووية والتوجه نحو مصادر طاقة آمنة ومستدامة.

الطاقة الشمسية، التي تُشكل الآن حوالي 10% من إجمالي قدرة توليد الكهرباء في البلاد وفقًا لموقع “Eco Portal”، أصبحت ركيزة أساسية في هذا التحول.

ومع ذلك، واجهت اليابان تحديات جغرافية بسبب محدودية المساحات المتاحة لتركيب الألواح الشمسية التقليدية المصنوعة من السيليكون، والتي تتطلب مساحات واسعة وهياكل ثقيلة. هذا الواقع دفع اليابان إلى الاستثمار في تكنولوجيا مبتكرة: خلايا البيروفسكايت.

 خلايا البيروفسكايت: مستقبل الطاقة الشمسية

خلايا البيروفسكايت، المصنوعة من مادة اليوديد التي تُعد اليابان ثاني أكبر منتج لها عالميًا بعد تشيلي، تتميز بمرونتها وخفة وزنها. يمكن دمجها بسهولة في المباني،

تتفوق هذه الخلايا على نظيراتها السيليكونية التقليدية بكفاءة نظرية تصل إلى 43% مقارنة بـ29% للخلايا السيليكونية، مما يعني إنتاج طاقة أكبر من مساحة أصغر. كما أن سمكها لا يتجاوز مليمترًا واحدًا، ووزنها يُعادل عُشر وزن الخلايا السيليكونية، مما يجعلها سهلة التركيب والنقل.

على سبيل المثال، تستخدم شركة “باناسونيك” هذه الخلايا لدمجها في نوافذ المباني لتوليد الكهرباء مباشرة في أماكن الاستخدام، مما يقلل الضغط على شبكة الكهرباء الوطنية.

وفقًا لخطة الطاقة الوطنية اليابانية، تهدف البلاد إلى إنتاج 20 غيغاواط من الكهرباء باستخدام خلايا البيروفسكايت بحلول عام 2040، وهي كمية تعادل إنتاج 20 مفاعلاً نووياً.

هذا الهدف يدعم طموح اليابان لتغطية 50% من احتياجاتها الكهربائية من مصادر متجددة بحلول 2050، مع توقعات بأن تشكل الطاقة الشمسية 29% من إجمالي الطلب على الكهرباء، مقارنة بـ9.8% في 2023-2024.

لتحقيق هذا الهدف، قدمت الحكومة اليابانية دعمًا ماليًا كبيرًا، منها منحة بقيمة 157 مليار ين (حوالي 1.055 مليار دولار) لشركة “سيكيسوي كيميكال” لبناء مصنع ينتج ألواح بيروفسكايت بقدرة 100 ميغاواط بحلول 2027، وهي كمية تكفي لتزويد 30 ألف منزل بالكهرباء.

كما تخطط مدينة فوكوكا لتثبيت هذه الألواح على قبة ملعب بيسبول، بينما يجري العمل على تغطية مبنى من 46 طابقًا في طوكيو بحلول 2028.

رغم الإمكانات الهائلة، تواجه خلايا البيروفسكايت تحديات تقنية تتعلق بمتانتها وطول عمرها الافتراضي، حيث لا تزال أقل استقرارًا من الخلايا السيليكونية. كما أن تكلفة الإنتاج لا تزال مرتفعة، وتحتوي هذه الخلايا على مادة الرصاص السامة، مما يتطلب حلولاً لضمان السلامة البيئية.

شركات مثل “سيكيسوي كيميكال” تعمل على تجاوز هذه العقبات، لكن التوقعات تشير إلى أن الانتشار الواسع لهذه التكنولوجيا قد لا يتحقق قبل عام 2030.

ومع ذلك، يرى خبراء مثل هيروشي سيغاوا، أستاذ تكنولوجيات الطاقة الشمسية بجامعة طوكيو، أن النماذج الحديثة قد تصل إلى عمر افتراضي يقارب 20 عامًا، وربما تنتج ما يصل إلى 40 غيغاواط بحلول 2040

 السباق مع الصين واستقلالية الطاقة

في بداية الألفية، كانت اليابان تسيطر على 50% من سوق الطاقة الشمسية العالمي، لكن هيمنة الصين، التي تسيطر الآن على أكثر من 80% من سلسلة التوريد العالمية، قلصت هذه الحصة إلى أقل من 1%. تعتمد اليابان على خلايا البيروفسكايت لاستعادة مكانتها من خلال تطوير سلسلة توريد مستقلة، مستفيدة من كونها ثاني أكبر منتج لليود في العالم. يؤكد وزير الصناعة الياباني يوجي موتو أن هذه التكنولوجيا هي “أفضل ورقة تملكها اليابان لتحقيق إزالة الكربون وتعزيز التنافسية الصناعية”.

 تأثير عالمي ومستقبل واعد

تمثل خلايا البيروفسكايت أكثر من مجرد حل محلي لتحديات الطاقة في اليابان؛ إنها خارطة طريق محتملة للعالم بأسره.

إذا نجحت اليابان في التغلب على التحديات التقنية والاقتصادية، فقد تقدم نموذجًا للدول الأخرى لتسريع التحول نحو الطاقة المتجددة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى