تقارير

مصير نظام أحمد الشرع وسوريا إلى أين؟ دور تركيا، دول الخليج، وأمريكا في الأوضاع السورية 2025

بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، تولى أحمد الشرع، قائد هيئة تحرير الشام، قيادة المرحلة الانتقالية في سوريا، بدعم من تركيا وبعض دول الخليج.

إلا أن تصريحات حديثة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي أعلن فيها عزم إسرائيل “القضاء على النظام السوري”، أعادت التساؤل حول استقرار نظام الشرع، ومستقبل سوريا، ودور اللاعبين الإقليميين والدوليين في المشهد السوري المتغير.

في هذا التحليل نستعرض احتمالات سقوط نظام الشرع، الأطراف الفاعلة في الملف السوري، والمسارات المستقبلية المحتملة، مع تركيز خاص على أدوار تركيا، الخليج، وأمريكا.

 هل يسقط نظام الشرع بنفس سرعة سقوط نظام بشار؟

سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 جاء نتيجة لتراكمات داخلية وخارجية، أهمها انهيار مؤسسات الدولة، تخلي الحلفاء الروس والإيرانيين عنه، والدعم الإقليمي للفصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام.

أما نظام أحمد الشرع، فرغم أنه ورث بيئة سياسية هشة، إلا أن المعطيات تشير إلى أن سقوطه السريع غير مرجّح حاليًا، وإن كان غير مستبعد في المدى المتوسط.

عوامل استقرار نظام الشرع (مؤقتًا):

1. دعم إقليمي قوي:

تركيا والسعودية وقطر دعمت النظام الجديد سياسيًا واقتصاديًا، ما منح الشرع مظلة إقليمية تهدف لملء الفراغ الذي خلفه انسحاب إيران، وضمان بقاء سوريا ضمن محور متماسك.

2. سيطرة عسكرية وتنظيمية:

هيئة تحرير الشام نجحت في دمج عدد من الفصائل المسلحة تحت قيادة موحدة، مع دعم تركي لإنشاء جيش وطني منظم، مما وفر للنظام قوة ميدانية متماسكة نسبيًا.

3. قبول دولي محدود:

بعض الدول الأوروبية وأمريكا أبدت استعدادًا للتعاون مع النظام الجديد، في مقابل التزامات بمحاربة الإرهاب وضبط الحدود. وقد بدأت بعض العقوبات تُخفف لتسهيل إعادة الإعمار.

4. إطلاق حوار وطني:

دعا الشرع إلى مؤتمر حوار وطني لتحديد شكل الدولة السورية المستقبلية، في محاولة لبناء شرعية داخلية تتجاوز الأطر العسكرية والدينية الضيقة.

عوامل تهدد نظام الشرع:

1. التصعيد الإسرائيلي:

التصريحات العلنية من إسرائيل تشير إلى خشيتها من سيطرة فصيل إسلامي على دمشق، رغم إعلان هيئة تحرير الشام قطع صلاتها مع القاعدة. التوسع العسكري الإسرائيلي جنوب سوريا، تحت مبررات أمنية، يمثل تهديدًا مباشرًا للنظام الجديد.

2. انقسامات الفصائل المسلحة:

التحالف الذي يقوده الشرع هش بطبيعته، ويضم فصائل مختلفة التوجهات والأهداف. وقد يؤدي صراع المصالح إلى تفكك البنية العسكرية أو حتى اندلاع مواجهات داخلية.

3. اضطرابات أمنية داخلية:

لا تزال أعمال العنف الطائفي والانفلات الأمني مستمرة، لا سيما في المدن المختلطة مثل حمص، إضافة إلى عودة نشاط خلايا تنظيم داعش في بعض المناطق الريفية.

4. ضغوط أمريكية متزايدة:

الإدارة الأمريكية، بقيادة ترامب، لم تبدِ ارتياحًا لتولي فصيل إسلامي الحكم في سوريا، ولو بدعم تركي. وهناك مؤشرات إلى استخدام العقوبات الاقتصادية كوسيلة ضغط للحصول على تنازلات في الملف الكردي والعلاقات مع إسرائيل.

5. ضعف القاعدة الشعبية:

رغم أن البعض رأى في سقوط الأسد بداية لمرحلة جديدة، إلا أن نسبة لا يستهان بها من السوريين لا تثق في خلفية هيئة تحرير الشام الإسلامية، وخاصة ما يتعلق بالفقه الدستوري والشريعة، ما يثير مخاوف من عودة حكم ديني غير ديمقراطي.

نظام أحمد الشرع يتمتع حاليًا بدعم إقليمي وعسكري يمنحه هامشًا للبقاء، لكنه لا يزال هشًا أمام التحديات الخارجية، والانقسامات الداخلية، والضغط الشعبي والدولي.

احتمال السقوط السريع ضعيف في المدى القريب، لكن تصاعد الضغوط قد يقود إلى انهيار تدريجي إذا لم تحدث إصلاحات هيكلية حقيقية.

 من يحرك الأوضاع في سوريا؟

الصراع السوري بعد 2024 لم يعد مجرد صراع محلي، بل بات ساحة تنافس جيوسياسي بين أطراف داخلية وإقليمية ودولية.

1. هيئة تحرير الشام (الشرع):

القائد الفعلي للمرحلة الانتقالية. يسعى لتثبيت سلطته عبر فرض النظام بالقوة، وخلق مؤسسات بديلة، وكسب الشرعية الدولية. تواجه الهيئة تحديات من ماضيها الجهادي، وتسعى لتقديم نفسها كـ”حركة إسلامية وطنية”.

2. تركيا:

أبرز داعم لنظام الشرع، لأسباب تتعلق بأمنها القومي، ومنع قيام كيان كردي مستقل. تعمل تركيا على تشكيل حزام أمني وسياسي متوافق مع مصالحها، وتستخدم الدعم الاقتصادي والعسكري كوسيلة نفوذ مباشر في الشأن السوري.

3. دول الخليج (السعودية وقطر):

تحاولان ملء فراغ النفوذ الإيراني، مع دعم إعادة الإعمار ومشاريع تنموية. الرياض ترى في الشرع أداة لإعادة التوازن العربي في سوريا، بينما تستثمر قطر في الملف السوري سياسيًا واقتصاديًا لتعزيز نفوذها.

4. إسرائيل:

ترى في النظام الجديد خطرًا استراتيجيًا محتملًا، خصوصًا إذا تحول إلى نموذج إسلامي على حدودها الشمالية. لذلك تسعى إسرائيل إلى احتواء النفوذ الإسلامي من خلال التدخل العسكري، ودعم بعض الفصائل المحلية جنوب سوريا.

5. الولايات المتحدة:

تمارس سياسة العصا والجزرة، فتلوّح بالعقوبات الاقتصادية، وتضغط في ملف الأكراد، لكنها لا تمانع استمرار النظام الجديد طالما يلتزم بمحاربة الإرهاب ويمنع النفوذ الإيراني أو الروسي من العودة.

رغم سقوط نظام الأسد وما تبعه من تغيّرات في الخارطة السياسية السورية، إلا أن الطريق نحو استقرار حقيقي لا يزال طويلًا ومعقدًا.

نظام أحمد الشرع يواجه معركة متعددة الجبهات: في الداخل، مع التحديات الأمنية والانقسامات المجتمعية، وفي الخارج، مع الشكوك الدولية والتحركات الإقليمية المتضاربة.

في ظل هذا المشهد المتقلب، تبدو سوريا وكأنها على مفترق طرق: إما أن تتجه نحو إعادة بناء دولة مدنية تراعي تنوعها، أو تعود إلى دوامة الفوضى والصراع بين القوى المتنازعة.

نجاح المرحلة القادمة سيعتمد بدرجة كبيرة على قدرة الفاعلين المحليين والدوليين على تقديم تنازلات حقيقية، وتغليب مصلحة السوريين على حساب الحسابات الأيديولوجية والسياسية الضيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى