تقاريرمقالات

سوريا تحت النيران: إسرائيل تضرب سوريا وسط صمت نظام الشرع

تشهد سوريا في يوليو 2025 كارثة غير مسبوقة، حيث نفذت إسرائيل غارات جوية مكثفة استهدفت قلب العاصمة دمشق، بما في ذلك مبنى وزارة الدفاع، الأركان العامة، وحتى القصر الرئاسي، وفقًا لتقارير متداولة.

هذه الهجمات تأتي في ظل تصعيد إسرائيلي غير مسبوق ضد نظام أحمد الشرع، الذي تولى السلطة بعد سقوط بشار الأسد في ديسمبر 2024.

الأمر المثير للدهشة هو صمت النظام السوري الجديد وعدم رده عسكريًا على هذه الضربات، مما يثير تساؤلات حول دوافع إسرائيل، توقيت الهجمات، وأهدافها الاستراتيجية.

هذا التحليل يستعرض الأحداث الأخيرة، دوافع إسرائيل، دور الصراع الطائفي في السويداء، ومشروع “ممر داوود” الاستراتيجي، مع النظر إلى التداعيات الإقليمية والدولية.

 تصعيد إسرائيلي في دمشق

في 16 يوليو 2025، نفذت إسرائيل غارات جوية استهدفت مواقع حيوية في دمشق، بما في ذلك وزارة الدفاع ومبنى الأركان، مع تقارير عن ضربات قريبة من القصر الرئاسي.

هذه الهجمات أسفرت عن إصابات وأضرار مادية، حيث أفادت وزارة الصحة السورية بإصابة 13 شخصًا. اللافت أن النظام السوري الجديد بقيادة أحمد الشرع لم يرد عسكريًا، بل اكتفى ببيانات تدين “العدوان الإسرائيلي”، معتبرًا إياه “تصعيدًا خطيرًا” يهدف إلى زعزعة استقرار سوريا.

هذا الصمت العسكري يعكس ضعف النظام الجديد، الذي يعتمد على قوات غير نظامية تفتقر إلى سلاح جوي أو دفاعات متطورة، مما يجعله عاجزًا عن مواجهة إسرائيل.

 لماذا تهاجم إسرائيل الآن؟

التصعيد الإسرائيلي يأتي في سياق معقد يجمع بين الصراعات الطائفية الداخلية في سوريا وأهداف استراتيجية إقليمية، يمكن تلخيص دوافع إسرائيل في النقاط التالية:

1. الصراع في السويداء ودعم الدروز:

– تشهد محافظة السويداء، ذات الأغلبية الدرزية، صراعات طائفية بين ميليشيات درزية وقبائل بدوية منذ 13 يوليو 2025، أسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص، بما في ذلك 92 درزيًا و93 من قوات الأمن السورية.

تدخلت القوات الحكومية السورية لفرض النظام، لكنها واجهت اتهامات بارتكاب “إعدامات ميدانية” وتخريب منازل الدروز. إسرائيل، مستغلة هذا الوضع، تدخلت عسكريًا بحجة حماية الدروز، مستندة إلى علاقاتها التاريخية مع الطائفة الدرزية في إسرائيل والجولان المحتل.

– رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إسرائيل كاتس أعلنا أن الضربات تهدف إلى منع “الإضرار بالدروز” وفرض نزع السلاح في جنوب سوريا. لكن هذا التدخل لا يبدو مدفوعًا بحب الدروز بقدر ما هو استغلال للانقسامات الطائفية لإضعاف النظام السوري.

2. منع توحيد سوريا تحت نظام سني:

– إسرائيل تعارض بشدة قيام نظام سني قوي في دمشق بقيادة أحمد الشرع، الذي تربطه خلفية بهيئة تحرير الشام، المصنفة سابقًا كمنظمة إرهابية. رغم تخليه عن صلاته بتنظيم القاعدة، فإن إسرائيل تصف نظامه بـ”الإسلامي المتطرف” وترى فيه تهديدًا محتملاً. الهجمات الإسرائيلية تهدف إلى إبقاء سوريا ضعيفة ومنقسمة، مما يمنع ظهور قوة موحدة قد تشكل خطرًا مستقبليًا.

– منذ سقوط الأسد، دمرت إسرائيل معظم الأسلحة الثقيلة للجيش السوري، وسيطرت على مناطق في الجنوب، بما في ذلك المنطقة منزوعة السلاح بين الجولان وسوريا. هذا يعكس استراتيجية إسرائيلية لمنع أي نظام سوري من استعادة قوته العسكرية.

3. مشروع “ممر داوود”:

– تُعد فكرة “ممر داوود” الاستراتيجي محورًا رئيسيًا للتصعيد الإسرائيلي. هذا الممر البري المقترح يبدأ من الجولان المحتل، مرورًا بدرعا والسويداء، وصولاً إلى قاعدة التنف الأمريكية، ثم إلى مناطق الأكراد وكردستان العراق.

الهدف هو إنشاء ممر تجاري وعسكري يربط إسرائيل بالخليج وآسيا الوسطى، متجاوزًا قناة السويس ومصر، مما يضعف النفوذ الجيوستراتيجي للقاهرة ومشروع “الحزام والطريق” الصيني.

– السويداء، بموقعها الجغرافي، تُعد عقدة مركزية في هذا الممر. لذلك، أي محاولة من النظام السوري لفرض سيطرته على هذه المنطقة تُعتبر تهديدًا مباشرًا للمشروع الإسرائيلي، مما يفسر الضربات العنيفة على دمشق والسويداء.

4. دور الموساد والاغتيالات:

– هناك تقارير عن عمليات اغتيال تنفذها الموساد ضد قيادات النظام السوري الجديد، بالتوازي مع دعم الفصائل الدرزية المسلحة في السويداء

. هذه العمليات تهدف إلى زعزعة استقرار النظام وزيادة الفوضى الداخلية، مما يسهل السيطرة الإسرائيلية على المناطق الاستراتيجية.

 لماذا الآن ؟

توقيت الهجمات الإسرائيلية ليس عشوائيًا. هناك عدة عوامل تجعل يوليو 2025 لحظة مثالية للتصعيد:

– ضعف النظام السوري: نظام الشرع لا يزال في مرحلة انتقالية، يعاني من غياب جيش نظامي وسلاح جوي، مما يجعله عاجزًا عن الرد. قواته، التي كانت ميليشيات قبل الوصول إلى دمشق، تفتقر إلى التنظيم والتسليح الكافيين لمواجهة إسرائيل.

– الصراعات الطائفية في السويداء: الاشتباكات بين الدروز والبدو، وتدخل القوات الحكومية، أتاحا لإسرائيل ذريعة “حماية الدروز” لتبرير تدخلها العسكري.

– دعم أمريكي ضمني: رغم دعوة إدارة ترامب لإسرائيل لوقف الضربات، فإن التنسيق الأمريكي-الإسرائيلي واضح، خاصة في ظل وجود قاعدة التنف الأمريكية كجزء من “ممر داوود”.

الولايات المتحدة، التي تدعم التطبيع مع الشرع بشكل مشروط، قد تغض الطرف عن التصعيد الإسرائيلي إذا خدم مصالحها.

– الفراغ الإقليمي: مع تراجع النفوذ الروسي والإيراني في سوريا بعد سقوط الأسد، استغلت إسرائيل الفرصة لتعزيز هيمنتها الإقليمية، مستفيدة من دعم تركيا للشرع وتردد دول الخليج في مواجهة التصعيد الإسرائيلي.

 صمت نظام الشرع: ضعف أم استراتيجية؟

صمت نظام الشرع عن الرد العسكري على إسرائيل يعكس عدة حقائق:

– الضعف العسكري: النظام يعتمد على قوات غير نظامية، ولا يمتلك القدرة على مواجهة جيش إسرائيلي مدعوم بطيران متطور ودعم أمريكي. هذا الضعف يجعل الرد العسكري غير واقعي في الوقت الحالي.

– محاولة التطبيع: الشرع يسعى لكسب الشرعية الدولية، خاصة من الولايات المتحدة ودول الخليج، وتجنب الصدام مع إسرائيل قد يكون جزءًا من هذه الاستراتيجية. تقارير تشير إلى مفاوضات غير مباشرة بين دمشق وإسرائيل عبر الإمارات لتخفيف التوترات

– التركيز على الداخل: النظام منشغل بتوحيد الفصائل المسلحة، مواجهة الصراعات الطائفية، وإعادة بناء المؤسسات، مما يجعل مواجهة إسرائيل أولوية ثانوية.

 إلى أين تتجه سوريا؟

1. تعميق الانقسامات الطائفية: الضربات الإسرائيلية ودعمها للدروز قد يزيد من حدة الصراعات الطائفية بين السنة والأقليات (الدروز، العلويون، الأكراد)، مما يهدد بتقسيم سوريا إلى دويلات طائفية.

2. تقوية النفوذ الإسرائيلي: استمرار الضربات ودعم الفصائل الدرزية يعزز سيطرة إسرائيل على جنوب سوريا، خاصة في إطار “ممر داوود”، مما قد يغير التوازنات الجيوستراتيجية في المنطقة.

3. ضعف النظام السوري: استهداف مؤسسات الدولة الحيوية يهدد شرعية نظام الشرع، وقد يدفع الفصائل المسلحة إلى التمرد أو الانقسام، مما يزيد من الفوضى.

4. تأثير على مصر والصين: نجاح “ممر داوود” قد يضعف دور قناة السويس، مما يؤثر على الاقتصاد المصري ومشروع “الحزام والطريق” الصيني، مما قد يدفع القاهرة وبكين لاتخاذ مواقف أكثر حزماً.

5. ردود فعل إقليمية: تركيا، التي تدعم الشرع، قد تجد نفسها في موقف حرج بين دعم النظام والحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة. دول الخليج، رغم دعمها للشرع، قد تتردد في مواجهة إسرائيل مباشرة.

الغارات الإسرائيلية على دمشق في يوليو 2025 تمثل نقطة تحول خطيرة في الأزمة السورية.

إسرائيل، مستغلة ضعف نظام أحمد الشرع والصراعات الطائفية في السويداء، تسعى لتحقيق أهداف استراتيجية تتجاوز حماية الدروز، بما في ذلك منع قيام نظام سوري قوي، وتأمين “ممر داوود” لتعزيز نفوذها الإقليمي.

صمت النظام السوري يعكس عجزًا عسكريًا وسياسيًا، لكنه قد يكون جزءًا من استراتيجية لتجنب التصعيد والتركيز على الاستقرار الداخلي. مع ذلك، استمرار التدخل الإسرائيلي يهدد بتقسيم سوريا وتعميق الفوضى، مما يضع المنطقة على شفا تحولات جيوسياسية كبرى.

الشعب السوري، الذي يعاني من حرب مستمرة منذ 14 عامًا، يواجه الآن مأساة جديدة قد تطيل أمد معاناته، في ظل صراعات إقليمية تتجاوز قدرته على المواجهة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى