تقرير: نتنياهو وحرب غزة: صراع البقاء السياسي على حساب الأمن القوم

داي نيوز – وحدة التحليل الاستراتيجي
بعد ما يقرب من عامين من أعنف حروبها الحديثة، لا تزال إسرائيل تغرق في صراع مفتوح في غزة، بينما يلاحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اتهامات تاريخية بإطالة أمد الحرب خدمةً لحساباته السياسية والشخصية.
في تقرير استقصائي موسع، كشفت صحيفة نيويورك تايمز تفاصيل غير مسبوقة حول اللحظة التي كان فيها نتنياهو قاب قوسين أو أدنى من وقف إطلاق النار وإطلاق سراح رهائن وتخفيف الضغط الهائل داخليًا وخارجيًا، قبل أن يختار استمرار الحرب بدلاً من المخاطرة بفقدان كرسي الحكم.
🔹 فرصة الهدنة التي لم تتم
في أبريل 2024، وبعد ستة أشهر من بدء العمليات العسكرية في غزة، كانت المفاوضات مع حماس قد بلغت مرحلة متقدمة، حيث جرى إعداد مقترح لوقف إطلاق نار يمتد 6 أسابيع على الأقل، مع إمكانية التوصل لاحقًا إلى اتفاق هدنة دائم، كان سيسمح بإطلاق أكثر من 30 رهينة خلال فترة قصيرة، مع وقف القصف المستمر الذي شرد ما يزيد على 1.9 مليون فلسطيني.
كما قدَّرت مراكز أبحاث إسرائيلية أن إبرام الهدنة كان سيعزز فرص الوصول إلى اتفاق تطبيع تاريخي مع السعودية، وهي صفقة كان يُنظر إليها باعتبارها أكبر إنجاز دبلوماسي محتمل في تاريخ نتنياهو السياسي.
لكن خلف الكواليس، حملت تلك الهدنة خطرًا داهمًا على بقاء حكومته اليمينية الهشة.
🔹 الائتلاف الهش.. وحسابات السلطة
بحسب الرواية التي جمعتها الصحيفة من محاضر رسمية وشهادات مباشرة، أبقى نتنياهو خطة الهدنة خارج جدول أعمال الاجتماع الوزاري، وكان ينوي كشفها فجأة لمنع وزرائه المتطرفين من تعطيلها.
إلا أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش – الذي عرف بنشاطه المتشدد منذ 2005 حين جرى توقيفه بشبهة التخطيط لتفجيرات ضد الانسحاب من مستوطنات غزة – تلقى معلومات مسربة عن خطة وقف إطلاق النار.
في تمام الساعة 5:44 مساءً، أعلن سموتريتش صراحةً:
“إذا طُرحت اتفاقية استسلام كهذه، فلن يكون لديك حكومة بعد الآن.”
في تلك اللحظة، أدرك نتنياهو أن تمرير الهدنة سيؤدي حتماً إلى تفكك الائتلاف الحاكم والدعوة إلى انتخابات مبكرة أظهرت استطلاعات الرأي أنه سيخسرها بفارق واسع لصالح تحالف معارض بقيادة بني غانتس.
🔹 الدافع الخفي: المحاكمة والنجاة الشخصية
بخسارته الحكم، كان نتنياهو سيفقد القدرة على التأثير في إقالة المدعي العام الذي أشرف على محاكمته بتهم فساد، بينها اتهامات بتلقي هدايا وتغطية إعلامية مقابل امتيازات مالية.
بحسب استطلاع أجراه معهد Israel Democracy Institute في مايو 2024، يعتقد 56% من الإسرائيليين أن اعتبارات بقاء نتنياهو الشخصي لعبت دوراً جوهرياً في إطالة الحرب.
في نهاية الاجتماع، همس نتنياهو لمستشاريه الأمنيين:
“لا تعرضوا الخطة.”
🔹 حرب بلا نهاية.. أطول نزاع عسكري في تاريخ إسرائيل
بعد نحو عامين، أصبحت هذه الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل منذ تأسيسها:
📌 أطول من حرب 1948 (9 أشهر)
📌 أطول من حرب أكتوبر 1973 (19 يوماً)
📌 أطول من حرب الأيام الستة 1967 (6 أيام)
ولم تقتصر عمليات الجيش الإسرائيلي على غزة بل امتدت إلى لبنان وسوريا وإيران، ما فاقم المخاوف من اتساع دائرة التصعيد في الشرق الأوسط.
🔹 من التكتيك إلى الاستراتيجية.. لماذا لم تحسم الحرب؟
يطرح المحللون عدة تفسيرات لفشل إسرائيل في تحقيق حسم عسكري واضح:
1️⃣ التضارب الاستراتيجي للأهداف:
تتراوح بين القضاء على حماس، واستعادة الردع، وإعادة المستوطنات، وتحقيق تطبيع عربي واسع. هذا التشتت قلل من التركيز على هدف محدد قابل للتحقق.
2️⃣ غياب خطة سياسية موازية:
رغم تفوق إسرائيل العسكري، لم تُطرح أي رؤية عملية لإدارة غزة بعد انتهاء القتال، وهو ما جعل القوة وحدها عاجزة عن تحقيق استقرار دائم.
3️⃣ استخدام الحرب كأداة بقاء سياسي:
يشير خبراء، بينهم البروفسور يوآف بيلج، إلى أن الحرب تحولت تدريجياً إلى وسيلة لتثبيت شرعية نتنياهو الداخلية وحماية موقعه في الحكم.
🔹 ما بعد الحرب: انتصار ظاهري أم أزمة مؤجلة؟
رغم أن عملية يونيو ضد إيران قدمت لنتنياهو “لحظة مجد” مؤقتة – كما وصفها الإعلام الإسرائيلي – إلا أن تكلفة الحرب في غزة لا تزال تتصاعد:
📈 أكثر من 18 ألف قتيل فلسطيني – بحسب تقديرات أممية
📈 نحو 600 قتيل إسرائيلي في القتال والهجمات الصاروخية
📈 خسائر اقتصادية تجاوزت 45 مليار دولار – وفق تقدير وزارة المالية الإسرائيلية
وفي الداخل الإسرائيلي، ارتفعت نسبة عدم الثقة في الحكومة إلى 61%، بينما يعتقد أكثر من نصف المواطنين أن الحرب طال أمدها دون ضرورة عسكرية مبررة
الخلاصة: سياسة على حافة الهاوية
يكشف مسار هذه الحرب كيف تداخلت استراتيجيات الأمن القومي مع الحسابات السياسية والشخصية لزعيم ملاحق قضائياً، ما يطرح سؤالاً أخلاقياً واستراتيجياً حرجاً:
هل كانت الأولوية لأمن إسرائيل… أم لبقاء نتنياهو السياسي؟
بينما يلوح اتفاق وقف إطلاق النار في الأفق، لا تزال الإجابة معلقة، مع فاتورة إنسانية وسياسية واقتصادية سيصعب على الإسرائيليين والفلسطينيين سدادها لعقود قادمة.
المصدر: نيويورك تايمز