إيلون ماسك يطلق «حزب أمريكا» لتحدي النظام السياسي الأمريكي

أعلن الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركتي “تسلا” و”سبيس إكس”، عن تأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم “حزب أمريكا”، وذلك في خطوة تهدف إلى تقديم بديل للحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، الجمهوري والديمقراطي.
جاء هذا الإعلان يوم السبت، 5 يوليو 2025، بعد يوم واحد من طرح ماسك استطلاعًا على منصة “إكس”، التي يملكها، لاستمزاج آراء متابعيه حول فكرة إنشاء حزب سياسي جديد.
في منشوره على “إكس”، كتب ماسك: “بنسبة اثنين إلى واحد، تريدون حزبًا سياسيًا جديدًا، وستحصلون عليه! اليوم، تأسس حزب أمريكا ليعيد لكم حريتكم.” وأشار إلى أن الهدف من الحزب هو مواجهة ما وصفه بـ”نظام الحزب الواحد” الذي يرى أنه يهيمن على السياسة الأمريكية، متهمًا النظام الحالي بالإنفاق المفرط والفساد.
وأضاف أن الحزب الجديد سيعمل على إعطاء الشعب “صوتًا حقيقيًا” بعيدًا عن الهيمنة السياسية التقليدية.
خلفية الإعلان والخلاف مع ترامب
تأتي هذه الخطوة في أعقاب تصاعد التوتر بين ماسك والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد أن عارض ماسك بشدة مشروع قانون لخفض الضرائب والإنفاق اقترحه ترامب، واصفًا إياه بـ”الكبير الجميل”.
وكان ماسك قد انتقد هذا التشريع، الذي أقره مجلس النواب بأغلبية 218 صوتًا مقابل 114، ووقّعه ترامب لاحقًا ليصبح قانونًا نافذًا. واعتبر ماسك أن هذا القانون، الذي يرفع سقف الدين الأمريكي بمقدار 5 تريليونات دولار، يمثل “إنفاقًا مجنونًا” سيؤدي إلى تفاقم العجز المالي، حيث تشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس إلى أن القانون قد يضيف 3.3 تريليون دولار إلى العجز خلال العقد القادم.
وكان ماسك قد هدد في وقت سابق بتأسيس حزب جديد إذا تم إقرار هذا القانون، وهو ما تحقق بالفعل بعد توقيع ترامب عليه. وقد وصف ماسك النظام السياسي الحالي بـ”حزب بوركي بيغ”، في إشارة ساخرة إلى شخصية كرتونية، مؤكدًا أن الولايات المتحدة بحاجة إلى حزب يركز على مصالح الشعب بدلاً من “الهدر والفساد”.
استراتيجية “حزب أمريكا”
أوضح ماسك أن استراتيجية الحزب الجديد ستعتمد على التركيز الدقيق على الفوز بمقاعد محدودة ولكن مؤثرة في الكونغرس.
وأشار إلى أن الحزب سيسعى لاستهداف مقعدين أو ثلاثة في مجلس الشيوخ، وما بين 8 إلى 10 دوائر انتخابية في مجلس النواب. هذه الاستراتيجية تهدف إلى تحقيق تأثير سياسي كبير دون الحاجة إلى بناء هيكلية حزبية ضخمة في البداية.
كما تعهد ماسك بدعم المرشحين الذين سينافسون أعضاء الكونغرس الذين صوتوا لصالح مشروع القانون، خصوصًا الجمهوريين الذين يرى أنهم خالفوا وعودهم الانتخابية بتقليص الإنفاق الحكومي.
وكتب في منشور سابق: “كل عضو في الكونغرس خاض حملته على أساس تقليص الإنفاق الحكومي ثم صوّت فورًا على أكبر زيادة في الدين العام في التاريخ ينبغي أن يشعر بالخزي، وسيفقد مقعده في الانتخابات التمهيدية العام المقبل.”
التوتر مع ترامب
كان ماسك من أبرز داعمي ترامب خلال حملته الانتخابية، حيث ساهم بمبلغ 277 مليون دولار، وتم تعيينه لاحقًا رئيسًا لـ”وزارة الكفاءة الحكومية” في إدارة ترامب.
ومع ذلك، تحولت العلاقة بين الرجلين إلى توتر كبير بسبب الخلاف حول مشروع القانون. ورد ترامب على انتقادات ماسك بتهديدات علنية، حيث اقترح إلغاء الدعم الفدرالي لشركات ماسك مثل “تسلا” و”سبيس إكس”، مشيرًا إلى أن هذا الدعم هو ما سمح لماسك ببناء إمبراطوريته التجارية.
وفي منشور على منصة “تروث سوشال”، قال ترامب إن إلغاء هذا الدعم قد يوفر “ثروة طائلة” للخزينة الأمريكية، بل ولمح إلى إمكانية طرد ماسك من الولايات المتحدة.
في المقابل، دافع ماسك عن نفسه، مشيرًا إلى أن دعمه المالي والسياسي لترامب كان حاسمًا في فوزه بالانتخابات، وقال إنه “لولا دعمه، لكان الديمقراطيون سيطروا على مجلس النواب، والجمهوريون لكانوا حصلوا على أغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ.”
تأثير الإعلان
إعلان ماسك عن تأسيس “حزب أمريكا” أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية الأمريكية، حيث يرى البعض أن هذه الخطوة قد تشكل تحديًا حقيقيًا للنظام السياسي الثنائي الذي يهيمن على الولايات المتحدة منذ عقود.
ومع ذلك، أشار تقرير نشرته “إندبندنت عربية” إلى أن تجارب الأحزاب الثالثة في الولايات المتحدة، مثل حزب روزفلت في عام 1912، لم تنجح عادةً في كسر هيمنة الحزبين الكبيرين، مما يثير تساؤلات حول مدى جدية تهديد ماسك وقدرته على تحقيق تأثير سياسي ملموس.
من جهة أخرى، أعرب بعض النواب الجمهوريين عن قلقهم من أن تصعيد ماسك قد يؤثر سلبًا على أغلبيتهم في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في العام المقبل، خاصة إذا نفذ تهديده بدعم منافسيهم في الانتخابات التمهيدية.
كما تسبب الخلاف بين ماسك وترامب في تقلبات كبيرة في أسهم شركة “تسلا”، حيث خسرت الشركة ما يقرب من 150 مليار دولار من قيمتها السوقية قبل أن تستعيد جزءًا من الخسائر لاحقًا.
لم يوضح ماسك بعد الخطوات القانونية التي اتخذها لتأسيس الحزب رسميًا، مما يثير تساؤلات حول مدى جدية المشروع في المرحلة الحالية.
ومع ذلك، فإن ثروته الهائلة ونفوذه الواسع، خاصة عبر منصة “إكس” التي يتابعه عليها أكثر من 220 مليون شخص، يمنحانه منصة قوية للترويج لفكرته.
كما أن انتقاداته الحادة للإنفاق الحكومي ودعوته لتقليص العجز المالي قد تجذب شريحة من الناخبين الذين يشعرون بالإحباط من النظام السياسي الحالي.
في المقابل، يواجه ماسك تحديات كبيرة، بما في ذلك الهيكلية السياسية الأمريكية التي تفضل الحزبين الكبيرين، والعداء المتزايد مع ترامب، الذي لا يزال يحظى بدعم قوي داخل الحزب الجمهوري.
كما أن تركيزه على قضايا مثل إلغاء دعم السيارات الكهربائية قد يثير انتقادات بأن دوافعه قد تكون مرتبطة بمصالح شركاته، رغم نفيه لذلك.
يبقى إعلان إيلون ماسك عن تأسيس “حزب أمريكا” خطوة جريئة تهدف إلى تحدي الوضع السياسي الراهن في الولايات المتحدة.
ومع أن الحزب لا يزال في مراحله الأولية، فإن تأثيره المستقبلي يعتمد على قدرة ماسك على تحويل رؤيته إلى واقع سياسي ملموس، في ظل تحديات النظام السياسي الأمريكي وعلاقته المتوترة مع ترامب.