مقالات

الهروب من طالبان إلى الاتهام بالتجسس .. مأزق اللاجئين الأفغان في إيران

بقلم: د. ريم أبو الخير

في مشاهد مأساوية لا تغيب عن الذاكرة، تسابق آلاف الأفغان متشبثين بعجلات الطائرات الأمريكية المغادرة من مطار كابل، هاربين من سقوط بلادهم في قبضة “طالبان”، وبين مشاهد ازدحام المعابر الحدودية بين إيران وأفغانستان، هروبًا من الحرب الإسرائيلية – الإيرانية من جانب، ومن الاعتقالات والاتهامات بالتجسس لصالح “الموساد”، وبين مطرقة الحرب وسندان الترحيل القسري، وجد مئات الآلاف من الأفغان أنفسهم عالقين بلا وطن يحميهم ولا جهة تتبناهم، تتقاذفهم السياسات والحدود والشكوك الأمنية.

مع تصاعد التوترات العسكرية بين إيران وإسرائيل الأخيرة، والتي أخذت أبعادًا غير مسبوقة عسكريًا وإعلاميًا، لم تكن الجبهات وحدها ساحة الصراع بل امتدت ملامح الحرب إلى الجبهات الداخلية، حيث تصدر ملف اللاجئين الأفغان في إيران النقاشات الأمنية والإعلامية، خاصة مع تزايد الشكوك والاتهامات المبطنة حول احتمالية تسلل عناصر استخباراتية أو شبكات تجسس عبرهم.

ولطالما اعتبر الأفغان إيران ملاذَا لهم ووطنًا آخر، حيث يقصدونها طلبًا للعمل بسبب التدهور الاقتصادي في بلادهم وأولئك هم الفئة الأكبر عددًا، وهناك فئة ثانية تعتبر إيران كمعبر أو ممر مؤقت نحو تركيا ثم أوروبا، والمهاجرين من أجل العمل يتنقلون بين البلدين حيث تعتبر ظاهرة موسمية، ومنهم من انتقل بشكل دائم واستوعبهم سوق العمل الإيراني، لا سيما في الوظائف الشاقة والأقل أجرًا، وهذه المعادلة لا تخلو من التناقض فبينما تحاول الجهات الحكومية بإعادتهم لبلدهم إلى أن أرباب العمل الإيرانيين يحرصون على بقائهم، نظرًا لانخفاض تكاليف تشغيلهم مقارنة بالعمال المحليين، وهذا الرفض من قبل الشعب والحكومة يرجع إلى أسباب تاريخية، كذلك تصاعد شعور بعض العمال الإيرانيين بأن اللاجئين الأفغان ينافسونهم على فرص العمل في ظل الأزمة الاقتصادية، وهذا وفقًا لما ذكره الراحل پير محمد ملا زهی، الكاتب والباحث الإيراني في الشأن الأفغاني.

لجوء الأفغان إلى إيران

ورغم أن الأفغان لجأوا إلى إيران خلال السنوات الماضية فاريين من جحيم العنف بعد سيطرة طالبان على الحكم، بحثًا عن ملاذ آمن، إلا أنهم وجدوا أنفسهم في مرمى الشكوك خاصة أن بعضهم يدخل بطريقة غير نظامية من الحدود الشرقية المفتوحة.

تستضيف إيران ما يقدر بنحو 3.5 مليون أفغاني، بعضهم من اللاجئين المسجلين، وآخرون دخلوا بعد سيطرة طالبان على الحكم في أغسطس 2021 م، وينشط الكثير منهم في قطاعي البناء والزراعة، بينما ينخرط بعضهم في لواء (فاطميون)، وهي ميليشيا شيعية أفغانية أسسها علي رضا توسلي (المعروف بأبو حامد) عام 2014  وهو لاجئ أفغاني من الهزارة عاش في إيران منذ الثمانينات وقتل في درعا 2015، إلا أن نواة لواء فاطميون تكونت من جيش محمد التي كانت نشطة خلال الحرب السوفيتية الأفغانية وضد حركة طالبان، وكذلك لواء أبي ذر والذي شارك في الحرب العراقية _ الإيرانية 1980م، ولكن برز اسمها مع مشاركتها إلى جانب النظام السوري في قمع الثورة عام    2013وهي مدعومة من الحرس الثوري الإيراني، وقال عنه اللواء قاسم سليماني “إذا نظرنا إلى شجاعة فاطميين من أي زاوية، فلا بد من القول إن جهودهم تركت أثرا ثمينا وقيما للغاية”.

وقد واجه “فاطميون” انتقادات واسعة بسبب تجنيدها للاجئين الأفغان واستغلال ظروفهم الصعبة للمشاركة في الصراع السوري،  وتحاول إيران تعيين قادة غير بارزين في اللواء خوفا من احتمال فقدان السيطرة عليه، وهناك إشارات عن تعبئتها مجددًا في ظل التوترات الأخيرة.

اختراقات الدرون الإسرائيلية

مع تصاعد الهجمات الجوية واختراقات “الدورن” الإسرائيلية داخل العمق الإيراني، بدأت الصحف والمحطات المقربة من الأجهزة الأمنية مثل صحيفة كيهان ووكالة تسنيم، تلمح إلى وجود عناصر أجنبية تسهل عملية الاستهداف وتنقل معلومات حساسة وذلك دون التصريح بالجنسيات، لكن مواقع وشخصيات التيار المتشدد لوحت إلى خطر تسلل اللاجئين الأفغان خاصة في محافظات مثل كرمان، سيستان وبلوشستان، وخراسان.

ونشرت بعض وسائل الإعلام تقارير حول اكتشاف خلايا تجسس متعاونة مع الكيان الصهيوني، وأشارت بشكل غير مباشر إلى تورط مهاجرين غير شرعيين من دول الجوار،  كما جاء من تقارير ” روزنامه وطن امروز” و”آفتاب نيوز”، وتم ذكر وجود حركة مريبة واتصالات بين الرعايا الأجانب والجهات المعادية، مما أثار ردود فعل متباينة في مواقع التواصل الاجتماعي الإيرانية خاصة بين النخب الشبابية.

اعتقالات لاجئين أفغان

وذكرت تقارير شبه رسمية أنه تم اعتقال عدد من الأشخاص من جنسيات أجنبية بدعوى الاتصال بأجهزة معادية، وأفاد نشطاء حقوقيين أن بعض هذه الاعتقالات شملت لاجئين أفغان تم توقيفهم دون محاكمة عادلة وهذا خلق حالة من الخوف داخل الأحياء المكتظة بهم خاصة في طهران، مشهد، ويزد.

وقامت السلطات الأمنية الإيرانية، سواء بالزي الرسمي أو بملابس مدنية، بشن حملة لمصادرة هواتف اللاجئين الأفغان البسيطة والذكية، سواء كانوا لديهم إقامة قانونية أو من دونها، في الأماكن العامة وأماكن عملهم، كما اقتحمت أماكن سكنهم.

كما أعلن قائد الشرطة الوطنية الإيرانية (فراجا) أن أي منزل يتم تأخيره للأفغان يعد عقدًا باطلًا، ويُغلق المنزل بالشمع الأحمر ويُصادر.

وأعلن محافظ طهران أن عمليات اعتقال وترحيل الأفغان تضاعفت أربع مرات مؤخرًا، وأن تنظيم أوضاع الأجانب غير النظام بات مطلبًا شعبيًا.

أزمة إنسانية

وصرحت السلطات الأفغانية أن عشرات الآلآف عادوا من إيران خلال الأيام الأخيرة، وحذرت من خطر حدوث أزمة إنسانية في هرات، ودعا وزير الخارجية الأفغاني السفير الإيراني في كابل إلى ترحيل الأفغان بشكل تدريجي.

وكانت المنظمة الدولية للهجرة أفادت بأن أكثر من 700 ألف مهاجر أفغاني عادوا من إيران حتى الآن هذا العام، بما فيهم 256 ألفا عادوا في شهر يونيو وحده، وحذرت من الضغط الهائل على أنظمة الدعم الأفغانية المنهكة.

وأفادت وسائل إعلام تابعة لحركة طالبان  أن 5,208 عائلة أفغانية عادت إلى البلاد يوم الثلاثاء 1 يوليو، عبر  أربعة معابر رئيسية على  النحو التالي من معبر “تورخم” 126 عائلة، ومن معبر ” اسپین‌بولدک قندهار” 102 عائلة، زمن معبر ”  پل ابریشم ” في ولاية نيمروز 1,130 عائلة،  ومن معبر “اسلام‌قلعه ” في ولاية هرات 3,850 عائلة.

اعترافات بالتعاون مع إسرائيل

كما صرح ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أفغانستان، أن الحافلات التي تنقل الأفغان يوميًا، وأحيانا كل بضع ساعات، وتتوقف عند الحدود الأفغانية الإيرانية بمنطقة إسلام قلعة الحدودية، مما رفع الأعداد إلى مستوى قياسي، في حين أن التخفيضات الكبيرة في التمويل جعلت عمليات الإغاثة الإنسانية أكثر صعوبة، وحذر من أن العائدين الأفغان يصلون إلى بلد فقير غير مستعد لدعمهم، وأن النساء والفتيات اللواتي حصلن على التعليم والعمل في إيران يعدن الآن إلى بلد يجعل فيه الظلم الشديد القائم على النوع الاجتماعي مثل هذه الفرص مستحيلة.

وكانت وسائل الإعلام الإيرانية قد بثت مؤخرًا تسجيلات تظهر أفرادًا يعترفون بالتعاون مع إسرائيل، بينهم اثنان من بدخشان في أفغانستان، في الفيديو المنشور يعترف أحد المعتقلين بأنه أرسل عبر تطبيق “واتساب” مواقع مبانٍ عدة منها مقر منظمة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية ومنزل أحد المسؤولين في منطقة “سعادت آباد” بطهران إلى شخص في ألمانيا، مقابل حصوله على 2000 دولار عن كل مهمة يقوم بها، دون أن يتضح ما إذا كانت هذه الاعترافات انتُزعت بالإكراه، وهو أمر له سابقة طويلة في سجل النظام الإيراني.

مع ذلك أثار متخصصو الفضاء الإلكتروني ومستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي تساؤلات حول صحة هذه الاعترافات، متسائلين: لماذا تُدفع مبالغ مالية مقابل تحديد أماكن يمكن رؤيتها بوضوح على الخرائط؟، ونحن في عصر التقدم التكنولوجي الذي يتيح للجميع الوصول إلى خرائط “جوجل” الدقيقة ومواقع المؤسسات مثل منظمة الإذاعة والتلفزيون.

ومن المفارقات أن الإعلام الرسمي الإيراني نفسه قبل شهور فقط من الحرب كان يشيد ببطولات لواء فاطميون، ويحتفي بشهدائه في سوريا، واليوم يتم التشكيك بولاء نفس المجتمع الذي  خرج منه هؤلاء المقاتلون، وأثار هذا التناقض انتقادات حتى داخل الأوساط المحافظة، ورأى البعض أن الخطاب المزدوج يفاقم التوتر الداخلي ولا يخدم الجبهة الوطنية وقت الحرب .

ويظل مصير اللاجئين الأفغان في إيران معلقًا بخيط رفيع بين الترحيل القسري والاتهام بالعِمالة، وبين مخاوف العودة إلى وطن لا يمنحهم الأمان ولا يوفر لهم الحد الأدنى من مقومات الحياة، ويبقى السؤال الأهم معلقًا ماذا سيحل بملايين الأفغان الذين وجدوا في إيران ملاذًا مؤقتًا؟ وهل سيكون مصيرهم ورقة تحرق في معادلات السياسة والصراع، أم أن هناك بارقة أمل لنهج عقلاني وإنساني يحفظ حقوقهم؟

المقال من كتابة: د. ريم أبو الخير، مذيعة ومعدة برامج لغة فارسية – الهيئة الوطنية للإعلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى