مقالات

سامح سماحة| علم الأحياء: فن الحياة وفلسفة الاكتشاف

بقلم سامح سماحة، أستاذ علم الأحياء

العِلم فنٌّ لا يُتقنه إلا المتخصص المتعمق، والدارس الواعي بقواعده وأدبياته وأُسسه التي يُقام عليها.
فهو ليس مجرد معلوماتٍ تُتداول، بل منظومةٌ متكاملة من الفكر والمنهج، يُبنى على أكتاف من نذروا حياتهم للبحث والاكتشاف، وساروا على دربٍ مرسوم بخطواتٍ مدروسة، وأساليب موثوقة، تهدف إلى ترسيخ الغايات النبيلة وتحقيق الأهداف السامية.

فالعلم يظل راسخًا بنظرياته ما دامت التجارب تثبت صحتها، وما دام العقل البشري يُناقشها، ويطوّرها، ويتبادلها في أروقة البحوث والمؤتمرات، وفي المختبرات والفصول الدراسية.

وعلم الأحياء هو أحد هذه العلوم التي لا تُحدّ قيمتها بكلمات أو تُحصر في مقالات، إذ تتشعب فروعه وتتنوع مساراته لتشمل كل ما يتصل بالحياة والكائنات.

فمن علم الوراثة الذي يكشف أسرار الحمض النووي والموروثات، إلى علم الفسيولوجيا الذي يشرح كيف تعمل الأعضاء والأنظمة الحيوية، وعلم التشريح المقارن الذي يربط بين الكائنات الحية عبر الزمن في بنائها ووظائفها.

سامح سماحة، أستاذ علم الأحياء
سامح سماحة، أستاذ علم الأحياء

ويتفرّع علم الأحياء كذلك إلى علوم مثل علم الأحياء الدقيقة الذي يكشف لنا عوالم لا تُرى بالعين المجردة، وعلم البيئة الذي يربط الكائن الحي ببيئته المحيطة، وعلم التطور الذي يفسّر لنا آليات التنوع والتكيّف والبقاء.

كما يُسهم هذا العلم في مجالات تطبيقية متعددة؛ فهو حجر الأساس في الطب، والزراعة، والصيدلة، والعلوم البيئية.
فمن خلاله نتمكّن من فهم الكائنات التي تعيش بداخل أجسادنا، أو على أسطحها، أو تلك التي نتفاعل معها يوميًا من نباتات وحيوانات وكائنات دقيقة.

وهو علم يُعزّز وعي الإنسان بذاته وبالمنظومة الحياتية التي ينتمي إليها، ويغرس فيه قيمة الاحترام للطبيعة والخلق والاتزان البيئي.

ولعلّ من أعظم ما يميز علم الأحياء أنه يتجدد باستمرار، فلا يقف عند حدّ، ولا يكتفي بإجابات موروثة، بل يفتح الباب دائمًا للأسئلة الجديدة، والفرضيات الجريئة، والنقاشات العلمية البنّاءة.

إنه علم يُعلّمنا أن الحياة أعظم من أن تُختصر في ظواهرها السطحية، بل تحتاج إلى تأمل، وبحث، وإدراك لأعماقها، ولفهم قوانينها الخفية التي تحكم أدق تفاصيلها.

ولذلك، فإن دراسة علم الأحياء ليست مجرّد اختيار أكاديمي، بل هي رحلة وعي وفهم للحياة ذاتها، تتطلب شغفًا، وصدقًا، وانضباطًا في طلب المعرفة، وإيمانًا بأن العلم هو السبيل الأسمى لصحة الإنسان، وتقدمه، واستدامة وجوده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى