لماذا امتنع سلاح الجو الإيراني عن مواجهة إسرائيل في الضربات الأخيرة؟

منذ يوم الجمعة، 13 يونيو 2025، تشهد المنطقة تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، حيث شنت الأخيرة هجمات جوية مكثفة ضمن عملية “الأسد الصاعد” استهدفت منشآت نووية وصاروخية وقواعد عسكرية إيرانية حساسة.
وفي المقابل، ردت إيران بعملية “الوعد الصادق” التي شملت إطلاق مئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وصواريخ كروز.
لكن ما أثار الانتباه هو غياب سلاح الجو الإيراني بشكل كامل عن هذه المواجهة، مما يطرح تساؤلات حول أسباب هذا الغياب ودلالاته على استراتيجية طهران العسكرية.
استراتيجية إيران: التركيز على الصواريخ والمسيّرات
اعتمدت إيران في ردها على إسرائيل بشكل رئيسي على الصواريخ الباليستية، الطائرات المسيرة، وصواريخ كروز، مما يعكس تحولًا واضحًا في عقيدتها العسكرية نحو الحرب غير المتماثلة.
هذه الاستراتيجية تعتمد على أسلحة الردع الأرضية بدلاً من المواجهات الجوية التقليدية، حيث تُعد الصواريخ والمسيّرات أكثر فعالية من حيث التكلفة وقدرتها على اختراق الدفاعات الجوية المتطورة، خاصة مع استخدام أسراب تكتيكية تشبع أنظمة الدفاع وتُصعب اعتراضها.
أسطول جوي عتيق: قيود التكنولوجيا القديمة
يمتلك سلاح الجو الإيراني حوالي 300 مقاتلة، لكن معظمها يعود إلى حقبتي الستينيات والسبعينيات، مما يجعلها غير قادرة على منافسة المقاتلات الغربية المتقدمة مثل F-35 الإسرائيلية.
يتكون الأسطول من طائرات أمريكية قديمة مثل F-4 Phantom وF-5 Tiger، إلى جانب عدد محدود من المقاتلات الروسية (ميج-29 وسوخوي-24) والصينية (J-7).
هذه الطائرات تعاني من تقادم تكنولوجي، حيث تعتمد على رادارات ميكانيكية من الحقبة الفيتنامية، مما يجعلها عرضة للتشويش الإلكتروني بسهولة.
كما أن صواريخها الجوية، مثل R-27 وAIM-54، لم تعد فعالة ضد أنظمة الدفاع الحديثة، مما يحد من جدواها في المعارك الجوية.
محدودية الفاعلية العملياتية
رغم العدد الكبير للطائرات، فإن القدرات الفعلية لسلاح الجو الإيراني محدودة بسبب نقص قطع الغيار والصيانة، نتيجة العقوبات الغربية المستمرة منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
هذا التآكل يجعل الأسطول عبئًا لوجستيًا أكثر من كونه أداة ردع فعالة. وعلى الرغم من أن عدد الطائرات قد يشكل تحديًا لأي خصم يخطط لهجوم شامل على القواعد الجوية الإيرانية، إلا أن ضعفها التكنولوجي يقلل من تأثيرها الاستراتيجي.
دور محدود لبعض الطائرات القديمة
تستخدم إيران بعض طائراتها القديمة، مثل F-4D/E، في مهام بحرية بعد تزويدها بصواريخ كروز مضادة للسفن، لكن هذه الأدوار تبقى هامشية في سياق النزاع الحالي مع إسرائيل.
الاعتماد الأساسي يبقى على الأسلحة الأرضية، حيث تُعد الطائرات المسيرة مثل “شاهد” و”فطرس” وصواريخ كروز مثل “سومار” و”هويزة” أكثر مرونة وقدرة على تنفيذ هجمات دقيقة وبعيدة المدى.
محاولات تحديث متعثرة
بعد رفع حظر التسليح الأممي عن إيران عام 2020، سعت طهران لتحديث قواتها الجوية من خلال صفقات محتملة مع روسيا، أبرزها طلب شراء 64 مقاتلة سوخوي-35.
هذه الصفقة، التي لم تُكتمل بعد، قد تمثل نقلة نوعية إذا تحققت، إذ تُعد السو-35 مقاتلة من الجيل 4.5، تفوق بسرعتها ومداها طائرات مثل F-35.
ومع ذلك، فإن التقدم البطيء في هذه الصفقات، إلى جانب حاجة روسيا للطائرات في حربها بأوكرانيا، يجعل تحديث سلاح الجو الإيراني رهانًا مؤجلاً.
فجوة الردع الجوي: ميزة لإسرائيل
غياب سلاح جوي فعال منح إسرائيل تفوقًا واضحًا في العمليات الجوية، حيث اخترقت طائراتها الشبح F-35 المجال الجوي الإيراني مرارًا، مستفيدة من ضعف أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية المحمولة جوًا.
أنظمة الدفاع الأرضية مثل إس-300 وبافور-373، رغم فعاليتها ضد بعض التهديدات، فشلت في صد الهجمات الإسرائيلية المتكررة، مما يعكس هشاشة الردع الجوي الإيراني.
مستقبل سلاح الجو الإيراني
يعتمد تعزيز القدرات الجوية الإيرانية على قدرة طهران على التغلب على العقوبات الغربية وإبرام شراكات تسليحية فعالة.
حتى ذلك الحين، تظل السماء الإيرانية عرضة للاختراق من قبل المقاتلات الغربية المتفوقة، بينما تركز إيران على استراتيجية أرضية تعتمد على الصواريخ والمسيّرات لتحقيق الردع والرد على الهجمات.
هذا التحول يعكس واقعًا عسكريًا تفرضه القيود التكنولوجية والاقتصادية، مع رهان طويل الأمد على تحديث الأسطول الجوي لاستعادة التوازن الاستراتيجي.