تصاعد التوتر في شبه الجزيرة الكورية: هل تتجه أمريكا لضربة استباقية ضد بيونج يانج؟

تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية تصعيدًا ملحوظًا في ظل تقارير استخباراتية حديثة تؤكد تعزيز بيونج يانج لقدراتها العسكرية، مما يثير تساؤلات حول احتمالية لجوء واشنطن إلى ضربة استباقية لاحتواء التهديد المتزايد.
وفقًا لتقرير وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، وصلت كوريا الشمالية إلى أعلى مستوياتها الاستراتيجية منذ عقود، بفضل قدراتها العسكرية المتقدمة التي تهدد ليس فقط القوات الأمريكية وحلفاءها في شمال شرق آسيا، بل تمتد أيضًا إلى الأراضي الأمريكية.
دعم روسي يعزز القدرات الكورية الشمالية
يعتمد تقدم كوريا الشمالية العسكري بشكل كبير على الدعم الروسي، الذي شمل نقل تقنيات متقدمة في مجالات الصواريخ، الفضاء، والطاقة النووية.
هذا الدعم يُتوقع أن يُسرّع تطوير القدرات الردعية لبيونج يانج خلال السنوات القادمة، ويتضمن التعاون تقديم خبرات في مجال الأقمار الصناعية، مركبات الإطلاق، والتدريب التقني، مما يعزز من برنامج الفضاء الكوري الشمالي.
مقايضة استراتيجية مع روسيا
جاء هذا الدعم الروسي كجزء من صفقة استراتيجية مقابل تقديم كوريا الشمالية كميات كبيرة من الأسلحة والمقاتلين لدعم روسيا في حربها بأوكرانيا.
هذه المقايضة أعادت إحياء التحالف العسكري بين البلدين بمستوى غير مسبوق، مما أثار قلق الولايات المتحدة وحلفائها.
خبرات قتالية من أوكرانيا
استفادت القوات الخاصة الكورية الشمالية من مشاركتها في العمليات العسكرية في أوكرانيا، حيث اكتسبت خبرات ميدانية حقيقية.
هذه الخبرات يتوقع أن تُستخدم لتطوير قدرات القوات الكورية وإعدادها لمواجهات محتملة في المستقبل.
تهديد القوات الخاصة الكورية
لم يقتصر التقرير على التركيز على القدرات النووية، بل سلط الضوء على القوات الخاصة الكورية الشمالية، واصفًا إياها بأنها “مدربة بشكل مكثف” وقادرة على تنفيذ عمليات تسلل معقدة داخل كوريا الجنوبية، حيث تتمركز القوات الأمريكية. يُعد هذا التهديد التقليدي جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية بيونج يانج.
تجربة نووية سابعة على الأبواب
أشار التقرير إلى أن كوريا الشمالية أعادت تجهيز موقع تجاربها النووية، مما يعني استعدادها لإجراء تجربة نووية سابعة في أي لحظة تختارها. هذا التطور يزيد من حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية، مع احتمال تصعيد المواجهات.
محور عسكري جديد مع روسيا والصين وإيران
حذر التقرير من تعاون عسكري متزايد بين كوريا الشمالية وكل من روسيا، الصين، وإيران، مما يُشكل محورًا تقنيًا وعسكريًا قد يعيد تشكيل توازن القوى في المنطقة. هذا التعاون يُعزز من قدرات بيونج يانج ويجعلها لاعبًا أكثر تأثيرًا على الساحة الدولية.
انتعاش اقتصادي رغم العقوبات
على الرغم من العقوبات الدولية والتحديات الاقتصادية التي واجهتها كوريا الشمالية في التسعينيات، تمكنت من الحفاظ على قاعدة صناعية وتكنولوجية متقدمة.
دعم روسيا والصين، إلى جانب مشاريع عمرانية مثل شارع “هواسونج” في بيونج يانج عام 2024، يعكس تحسنًا نسبيًا في الوضع الاقتصادي.
تطور الترسانة النووية والصاروخية
بدأت كوريا الشمالية تطوير برنامجها النووي منذ أواخر الثمانينيات، وأجرت أول تجربة نووية عام 2006. بحلول عام 2017، أظهرت قدرتها على استهداف الأراضي الأمريكية بصواريخ باليستية عابرة للقارات مثل “هواسونغ-17 و18 و19″، مع إدخال رؤوس انزلاقية فرط صوتية تعزز دقة وفعالية الضربات.
تعزيز القوة البحرية
في خطوة غير مسبوقة، أطلقت كوريا الشمالية مدمرتين بحريتين في أبريل ومايو 2025، مزودتين بصواريخ باليستية وكروز وأنظمة دفاع جوي متقدمة. هذا التطور يمنح بيونج يانج قدرة جديدة على مواجهة القوات البحرية في أعالي البحار.
هل ستضرب واشنطن أولاً؟
مع تصاعد قدرات كوريا الشمالية وتعاونها مع قوى مثل روسيا وإيران، تتزايد المناقشات في الأوساط الأمريكية حول إمكانية توجيه ضربة استباقية لتعطيل برامج بيونج يانج النووية والصاروخية.
ومع ذلك، فإن مثل هذه الخطوة محفوفة بمخاطر كبيرة، بما في ذلك احتمال رد نووي كوري أو تدخل صيني. لذلك، تفضل واشنطن حاليًا استراتيجية “الردع المحسوب” من خلال العقوبات والتحالفات الإقليمية، مع دراسة خيارات غير تقليدية مثل الهجمات الإلكترونية أو التخريب السري.
نهج ترامب: بين القوة والدبلوماسية
منذ عودته إلى الرئاسة، يتبنى دونالد ترامب سياسة تجمع بين التصعيد العسكري والدبلوماسية. من جهة، أطلق مشروع “القبة الذهبية”، وهو نظام دفاع صاروخي فضائي بقيمة 175 مليار دولار لاعتراض الصواريخ الباليستية.
من جهة أخرى، أبدى ترامب انفتاحًا على الحوار مع كيم يونج أون، مستندًا إلى علاقتهما السابقة، لكنه أثار قلق حلفاء مثل كوريا الجنوبية التي تخشى تقويض جهود نزع السلاح النووي.
تحديات التوازن الاستراتيجي
يبقى الوضع في شبه الجزيرة الكورية معقدًا، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق توازن بين إظهار القوة وتجنب حرب شاملة.
في ظل تعزيز كوريا الشمالية لقدراتها العسكرية والنووية، يظل السؤال قائمًا: هل ستنجح الدبلوماسية في احتواء التهديد، أم أن المنطقة على أعتاب تصعيد خطير؟