تقاريرمنوعات

العيران التركي.. تراث قديم بمذاق منعش وفوائد صيفية مدهشة!

هدير البحيري

في عالم تتنافس فيه المشروبات الغازية والعصائر المصنعة على موائد المستهلكين، يبرز شراب تقليدي بسيط من قلب المطبخ التركي، ليحمل في طياته تاريخًا يمتد لأكثر من ألف عام.

أعدت شبكة “سي إن إن” الأمريكية تقريرًا موسعًا تناولت فيه شراب العيران التركي، حيث سلطت الضوء على تاريخه، أنواعه، وفوائده العلمية، واصفة إياه بأنه تجربة تركية أصيلة، تجمع بين البساطة والتأثير.

ويُشير التقرير إلى أن من بين كنوز تركيا الكبرى للسياح: الأطباق الغنية بالتوابل وأيام الصيف الحارة، لكن عند اجتماع هذين العنصرين، تبرز الحاجة إلى مشروب يوازن حرارة الجسم، والعيران هو الحل الذي توصل إليه الأتراك منذ زمن بعيد. بمكونات بسيطة من اللبن والماء والملح، يقدم العيران انتعاشًا مثاليًا بعد يوم شاق تحت أشعة الشمس.

ورغم أن طعمه قد لا يروق للجميع أو يتوافق مع بعض الأنظمة الغذائية، إلا أن جاذبيته لا يمكن إنكارها. فقد ظل العيران مشروبًا شائعًا لقرون طويلة في المناطق التي تلتقي فيها آسيا بأوروبا، ولا يزال يُستهلك اليوم في تركيا والعديد من الدول الأخرى، لكن بأشكال ونكهات مختلفة.

وقال البروفيسور بربروس أوزير، من قسم تكنولوجيا الألبان بجامعة أنقرة، إن للعيران دورًا مهمًا في إعادة توازن المعادن التي يفقدها الجسم بالتعرق، مضيفًا أنه يحتوي على معادن وبروتينات مفيدة، كما يساهم في دعم صحة الجهاز الهضمي وتوازن بكتيريا الأمعاء.

مشروب أقدم من الكوكاكولا بـ900 عام

تشير الأبحاث إلى أن الشعوب التركية بدأت في إنتاج العيران قبل أكثر من ألف عام، أي قبل اختراع الكوكاكولا بـ900 سنة. وقد ورد ذكره في معجم “ديوان لغات الترك” الذي أعده اللغوي التركي محمود الكاشغري في القرن الحادي عشر.

ونشأ العيران بوصفه منتجًا ضروريًا للرحالة، حيث كانت الألبان المُخمّرة كالجبن واللبن والعيران تساعد البدو الرحّل في البقاء خلال رحلاتهم الطويلة. وانتقلت هذه العادة من آسيا الوسطى إلى الأناضول، حيث أصبح العيران جزءًا من الثقافة الغذائية اليومية.

وتوضح الباحثة في فنون الطهي مرين سيفر أنه يوجد وثائق تاريخية تؤكد تحضير العيران في الأناضول منذ قرون، حيث كان جزءًا أساسيًا من الوجبات اليومية، ويُقدم غالبًا إلى جانب الخبز.

حضور لافت في الحياة اليومية التركية

يُعد العيران اليوم جزءًا لا يتجزأ من الحياة التركية، إذ يُباع في المتاجر والمطاعم وحتى لدى الباعة الجائلين. وأدرجته سلاسل مطاعم عالمية مثل “ماكدونالدز” و”برجر كينج” ضمن قوائمها في تركيا.

وفي المشاهد الليلية بمدينة إسطنبول، لا يُستغرب أن يُعرض العيران في عربات الباعة الجائلين بجانب أطباق الأرز والدجاج، ويعتبر كثيرون أنه علاج فعال لآثار السهر.

تنوع في الوصفات

رغم بساطة تحضيره، فإن وصفات العيران تتنوع في أنحاء تركيا. ففي منطقة سوسورلوك الموجودة بولاية باليق آسير يُعدّ العيران من لبن غني بالدسم وتعلوه طبقة من الرغوة.

وهناك “عيران يايك”، يتم تحضيره من المخيض (اللبن الزبادي) والماء والملح، ويتميز بقلة حموضته وكثرة رغوته. أما في ملاطية، فيُضاف الفلفل الأحمر أو الأخضر للعيران، ليمنحه نكهة حارّة.

كما تُضاف إليه أحيانًا أعشاب منعشة كالنعناع، أو يُستبدل الماء بمياه معدنية للحصول على نكهة فوارة.

ويقول الأكاديميون إن مذاق العيران يعتمد بشكل رئيسي على جودة اللبن المستخدم: نوع الحليب، نسبة الدهون، نوع الخميرة وطريقة التصنيع.

لكن لماذا لم ينتشر عالميًا؟

رغم فوائده المتعددة، لم يحظ العيران بالانتشار العالمي المتوقع. وتُرجع الدكتورة أوزجي سامانجي، رئيسة قسم فنون الطهي بجامعة أوزييين، السبب إلى غرابة مذاقه بالنسبة للأجانب، وقلة الترويج له عالميًا، إلى جانب محدودية انتشار المطاعم التركية خارج البلاد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى