تصاعد العنف في طرابلس: فرار سجناء وتحذيرات أممية من كارثة أمنية

تشهد العاصمة الليبية طرابلس، منذ ليل الثلاثاء 13 مايو 2025، موجة عنف غير مسبوقة بسبب اشتباكات مسلحة عنيفة بين قوات موالية لحكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة وجهاز الردع لمكافحة الجريمة والإرهاب، المدعوم من قوات من مدن غرب ليبيا.
أدت هذه المواجهات إلى فرار عدد من السجناء الخطرين من سجن الجديدة، وتعليق حركة الملاحة الجوية، وإعلان حالة الطوارئ، وسط تحذيرات أممية من تفاقم الأزمة الأمنية والإنسانية.
تفاصيل الاشتباكات
اندلعت المواجهات بين “اللواء 444 قتال”، التابع لحكومة الوحدة الوطنية ومدعوم من قوات من مدينة مصراتة، وجهاز الردع، الذي يتلقى دعمًا من قوات من مدن المنطقة الغربية مثل الزاوية.
امتدت الاشتباكات إلى معظم أحياء طرابلس، بما في ذلك المناطق السكنية ومحيط المؤسسات الحكومية الاستراتيجية مثل سوق الجمعة، رأس حسن، شارع الجرابة، وجامع الصقع.
وأفاد شهود عيان بسماع أصوات إطلاق نار كثيف وانفجارات مستمرة، مع انتشار آليات عسكرية ودبابات في شوارع العاصمة.
وأشار مراسلون إلى أن قوات قادمة من مدينة الزاوية سيطرت على منطقة الغيران، المدخل الغربي لطرابلس، بعد مواجهات مع قوات الأمن العام التابعة لحكومة الدبيبة.
كما رُصدت تحركات عسكرية لمليشيات من مناطق ورشفانة والمناطق الأمازيغية باتجاه العاصمة، مع تمركز بعض القوات قرب كوبري 27 غرب طرابلس، مما ينذر بتوسع دائرة الصراع.
فرار السجناء وتداعياته
أعلن جهاز الشرطة القضائية عن فرار عدد كبير من السجناء من سجن الجديدة، معظمهم من ذوي الأحكام المشددة والقضايا الجنائية الخطيرة، نتيجة الفوضى التي خلفتها الاشتباكات القريبة من السجن.
هذا التطور أثار مخاوف من تصاعد الجريمة المنظمة وزيادة عدم الاستقرار الأمني في العاصمة، وأكدت مصادر أمنية أن الأجهزة الأمنية في حالة تأهب لملاحقة الهاربين، مع اعتقال عدد محدود منهم حتى الآن.
إجراءات طارئة
تسببت الاشتباكات في تعليق حركة الملاحة الجوية بمطار معيتيقة الدولي، حيث تم تحويل الرحلات إلى مطار مصراتة.
كما أعلنت وزارة التعليم تعليق الدراسة ليوم واحد، بينما قررت جامعة طرابلس تمديد التعليق حتى إشعار آخر.
ورفعت جمعية الهلال الأحمر الليبي حالة التأهب القصوى، داعية المواطنين إلى البقاء في منازلهم والالتزام بالتعليمات الرسمية.
في الوقت نفسه، أعلنت وزارة الصحة رفع حالة الاستعداد في المستشفيات لاستقبال الحالات الطارئة، وسط تقارير عن سقوط ضحايا مدنيين، بما في ذلك انتشال ست جثث من جنوب العاصمة.
أسباب التصعيد
يعود التصعيد إلى قرارات رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، التي تضمنت إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وإلغاء جهاز دعم الاستقرار، وتصفية رئيسه عبد الغني الككلي (المعروف بـ”غنيوة”)، إلى جانب إقالة عدد من المسؤولين المرتبطين به.
كما وجه الدبيبة تهديدات لجهاز الردع، واصفًا إياه بـ”القوات غير النظامية”، مما أثار غضب قوات الردع وحلفائها.
واعتبر وفد من منطقة سوق الجمعة هذه القرارات “انتقائية” و”تصفية سياسية”، مطالبًا بوقفها للحفاظ على المسار الوطني.
تحذير الأمم المتحدة
أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن “قلقها العميق” إزاء تفاقم الوضع الأمني في طرابلس، داعية في بيان صباح الأربعاء 14 مايو 2025 إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار.
وحذرت البعثة من أن استمرار العنف سيؤدي إلى تعميق عدم الاستقرار في ليبيا بأكملها، مشددة على أن الهجمات على المدنيين والأهداف المدنية قد تشكل جرائم حرب.
كما ناشدت الأطراف المتقاتلة حماية المدنيين واللجوء إلى الحوار لحل الخلافات، مؤكدة ضرورة تجنب المزيد من التصعيد.
ردود فعل وتداعيات
أثارت الاشتباكات حالة من الرعب بين سكان طرابلس، حيث غادر العديد من الأهالي منازلهم خوفًا من القصف العشوائي.
وأفادت تقارير بأن انقطاع التيار الكهربائي طال عدة مناطق بالعاصمة، مما زاد من معاناة السكان. في المقابل، بدأ الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر تحركات عسكرية باتجاه مدن سرت والجفرة، مما يشير إلى احتمال توسع الصراع إلى مناطق أخرى خارج العاصمة.
خلفية الصراع
تأتي هذه الاشتباكات في سياق التوترات السياسية المستمرة في ليبيا، حيث تتنافس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وحكومة موازية في الشرق، مدعومة من مجلس النواب والجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، على السلطة.
رغم اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في جنيف عام 2021، فإن الانقسامات السياسية وتأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية أدت إلى تجدد التوترات الأمنية، مما يهدد بإعادة البلاد إلى مربع الحرب الأهلية.
استنتاج
تواجه طرابلس أزمة أمنية خطيرة تهدد حياة المدنيين واستقرار ليبيا، مع تصاعد العنف وفرار سجناء خطرين.
تحذيرات الأمم المتحدة تؤكد الحاجة الملحة لوقف القتال والعودة إلى الحوار السياسي لتجنب كارثة إنسانية وأمنية.
ويبقى السؤال: هل ستتمكن الأطراف المتقاتلة من الاستجابة لدعوات التهدئة، أم أن ليبيا على أعتاب جولة جديدة من الصراع