واشنطن تُعزز جهودها الاستخباراتية للسيطرة على غرينلاند في ظل إدارة ترامب

في خطوة تُعد من أبرز التحركات الملموسة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نحو تحقيق طموحه المُعلن لضم غرينلاند، كثّفت الولايات المتحدة جهودها في جمع المعلومات الاستخباراتية حول الجزيرة الواقعة تحت الحكم الذاتي الدنماركي.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، استند إلى مصدرين مطلعين، فقد وجّه مسؤولون كبار تحت إشراف مديرة المخابرات الوطنية تولسي غابارد تعليمات واضحة إلى رؤساء وكالات الاستخبارات الأمريكية لتكثيف الرصد والتحليل بشأن غرينلاند.
تفاصيل التوجيه الاستخباراتي
في الأسبوع الماضي، أُرسلت رسالة سرية إلى وكالات استخباراتية رئيسية، من بينها وكالة المخابرات المركزية (CIA)، ووكالة استخبارات الدفاع (DIA)، ووكالة الأمن القومي (NSA)، تحمل تعليمات بجمع معلومات معمقة حول:
– حركة الاستقلال في غرينلاند، التي يقودها سياسيون محليون مثل رئيس الوزراء موتي إيغيدي، والتي تسعى لتعزيز السيادة الكاملة بعيدًا عن الدنمارك.
– المواقف المحلية والدنماركية تجاه استغلال الموارد الطبيعية، لا سيما المعادن النادرة والغاز والنفط، التي تجذب اهتمام الولايات المتحدة لأغراض اقتصادية واستراتيجية.
– تحديد الأفراد والجهات في غرينلاند والدنمارك الذين قد يدعمون أهداف واشنطن، سواء كان ذلك من خلال التعاون الاقتصادي أو المواقف السياسية المؤيدة للولايات المتحدة.
هذه الرسالة، التي تُعرف بـ”رسالة التركيز الجماعي”، تهدف إلى توجيه موارد الوكالات نحو أولويات محددة، مما يعكس التزام إدارة ترامب الواضح بمتابعة أجندتها في غرينلاند.
ويُنظر إلى هذا التحرك على أنه أولى الخطوات العملية نحو تحقيق رؤية ترامب التي أعلن عنها مرارًا منذ ولايته الأولى (2017-2021) لضم الجزيرة، التي تبلغ مساحتها حوالي 836 ألف ميل مربع وتتمتع بموقع جيوسياسي حيوي في القطب الشمالي.
ردود الفعل الرسمية
– البيت الأبيض: رفض جيمس هيويت، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، التعليق على تفاصيل العمليات الاستخباراتية، لكنه أكد أن “الرئيس ترامب أوضح قلق الولايات المتحدة بشأن أمن غرينلاند ومنطقة القطب الشمالي”، مشيرًا إلى الأهمية الاستراتيجية للجزيرة في مواجهة نفوذ روسيا والصين.
– تولسي غابارد: في بيان حاد، هاجمت مديرة المخابرات الوطنية صحيفة “وول ستريت جورنال”، متهمة إياها بـ”مساعدة عناصر الدولة العميقة” من خلال تسريب معلومات سرية. واعتبرت أن مثل هذه التقارير “تقوض الأمن القومي والديمقراطية الأمريكية”، دون نفي محتوى التقرير.
– غرينلاند والدنمارك: أثارت تحركات الولايات المتحدة استياءً واسعًا في كل من نوك (عاصمة غرينلاند) وكوبنهاغن.
فقد أكدت رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن أن “غرينلاند ليست للبيع”، بينما عبر رئيس وزراء غرينلاند موتي إيغيدي عن رفضه للوجود الأمريكي المتصاعد، واصفًا زيارة وفد أمريكي بقيادة نائب الرئيس جي دي فانس في مارس 2025 بـ”الاستفزازية”.
السياق الجيوسياسي
تُعد غرينلاند، بموقعها الاستراتيجي في القطب الشمالي، نقطة محورية في التنافس الدولي المتزايد على الموارد والنفوذ.
تحتوي الجزيرة على احتياطيات هائلة من المعادن النادرة، مثل النيوديميوم واللانثانوم، التي تُستخدم في صناعات التكنولوجيا المتقدمة، بالإضافة إلى موارد النفط والغاز.
كما أن ذوبان الجليد الناتج عن التغير المناخي يفتح ممرات بحرية جديدة ويُسهل الوصول إلى هذه الموارد، مما يجعلها هدفًا للقوى العظمى مثل الولايات المتحدة، الصين، وروسيا.
منذ ولايته الأولى، ركز ترامب على غرينلاند كجزء من استراتيجية “أمريكا أولًا”، معتبرًا أن السيطرة عليها ضرورية للأمن القومي، خاصة لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في القطب الشمالي. وتستضيف الجزيرة بالفعل قاعدة بيتوفيك الفضائية الأمريكية، التي تُعد جزءًا من نظام الإنذار المبكر بالصواريخ، مما يعزز من أهميتها العسكرية.
التحديات والانتقادات
– معارضة محلية: أظهرت استطلاعات رأي في غرينلاند، كما ذكرت منصة أكسيوس، أن الغالبية العظمى من السكان يرفضون فكرة الانضمام إلى الولايات المتحدة، مؤكدين على هويتهم الوطنية ورغبتهم في الاستقلال.
– توترات مع الحلفاء: أثارت تصريحات ترامب، التي لم تستبعد استخدام القوة العسكرية، قلقًا بين حلفاء الناتو، لا سيما الدنمارك، التي اعتبرت هذه التحركات تهديدًا للوحدة الغربية.
– المخاطر القانونية والأخلاقية: حذر خبراء، مثل جون بي هولدرن من مركز بيلفر، من أن أي محاولة لضم غرينلاند بالقوة قد تُعتبر “جريمة كبرى”، مما يعرض ترامب للمساءلة السياسية والقانونية.
التداعيات المستقبلية
تشير هذه الجهود الاستخباراتية إلى أن إدارة ترامب تمضي قدمًا في خططها بشكل منهجي، على الرغم من المعارضة الدولية والمحلية. وقد يؤدي تصعيد الضغط الأمريكي إلى:
– زيادة التوترات مع الدنمارك، التي قد تلجأ إلى الاتحاد الأوروبي لدعم موقفها.
– تعزيز الدعوات للاستقلال في غرينلاند، مع احتمال اقترابها من شركاء آخرين مثل كندا أو حتى الصين كبديل عن الاعتماد على الولايات المتحدة.
– تأثيرات جيوسياسية أوسع، حيث قد تستغل روسيا والصين هذا الخلاف لتقويض الوحدة بين حلفاء الناتو.
في المحصلة، تظهر هذه الخطوة تصميم إدارة ترامب على تحقيق أهدافها الاستراتيجية في القطب الشمالي، لكنها تواجه تحديات كبيرة قد تُعيق تحقيق هذا الطموح دون تكاليف دبلوماسية وعسكرية باهظة.