أحمد سعد| مصر والحرب التجارية العالمية: فرصة نادرة لإعادة التموضع الاقتصادي

في ظل اشتداد التوترات التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى، ووسط موجات متلاحقة من إعادة رسم خرائط التجارة العالمية، تقف مصر أمام فرصة تاريخية لتحويل التحديات إلى مكاسب استراتيجية، واللعب بورقة موقعها وإمكاناتها لتصبح مركزًا صناعيًا وتصديريًا إقليميًا بامتياز.
أولًا: حرب الكبار.. فرصة للصاعدين؟
شهد العالم خلال العقد الأخير تصاعدًا لافتًا في الحروب التجارية، لا سيما بين الولايات المتحدة والصين، حيث فرضت واشنطن رسومًا جمركية على مئات المليارات من الواردات الصينية، بدعوى حماية الصناعة الأمريكية ومنع الممارسات التجارية غير العادلة. وردّت بكين بتعريفات مضادة، مما تسبب في اهتزاز سلاسل الإمداد العالمية ودفع العديد من الشركات إلى البحث عن بدائل.
من هذا المشهد المضطرب، برزت فرص غير متوقعة أمام الدول النامية، وعلى رأسها مصر، لتقديم نفسها كملاذ صناعي بديل يجمع بين الكفاءة اللوجستية، وتكاليف الإنتاج المنخفضة، والموقع الجغرافي الفريد.
ثانيًا: لماذا مصر؟
1. تكلفة إنتاج تنافسية:
انخفاض قيمة الجنيه المصري يجعل المنتجات المصرية أكثر جذبًا من حيث السعر، وهو ذات التكتيك الذي اعتمدته الصين في بدايات صعودها.
2. شبكة اتفاقيات تجارية قوية:
عبر عضويتها في اتفاقيات مثل الكوميسا، أغادير، AfCFTA، والشراكة مع الاتحاد الأوروبي، تفتح مصر أبواب أسواق تتجاوز المليار مستهلك دون حواجز جمركية.
3. موقع جغرافي لا يُضاهى:
مصر ليست فقط بوابة إفريقيا، بل هي عقدة لوجستية بين آسيا وأوروبا، مع قناة السويس التي تمر عبرها 12% من التجارة العالمية.
4. وفرة في الأيدي العاملة:
العمالة المصرية تتميز بانخفاض التكاليف وتنوع المهارات، ما يجعلها عنصر جذب كبير للشركات الباحثة عن مراكز تصنيع جديدة.
ثالثًا: كيف تستفيد مصر؟ خطة تحرك ذكية
1. استقطاب الصناعات المُغادرة من آسيا:
على مصر أن تبادر بوضع حوافز ذكية لجذب استثمارات في قطاعات حيوية مثل الإلكترونيات، الدواء، والملابس الجاهزة.
2. تعزيز المناطق الاقتصادية الخاصة:
المنطقة الاقتصادية لقناة السويس يمكن أن تتحول إلى محور عالمي للصناعات التصديرية، إذا ما توفرت حوافز لوجستية وضريبية وتشريعية.
3. تكثيف الجهود الدبلوماسية التجارية:
عبر التفاوض على اتفاقيات ثنائية مع الولايات المتحدة وأوروبا، يمكن لمصر أن تحل محل الصين في بعض سلاسل التوريد.
4. التركيز على الصناعات التصديرية:
مثل المواد الغذائية، الأسمدة، الكيماويات، والطاقة المتجددة، وهي قطاعات يمكن أن تستفيد من انخفاض العملة وتحقيق قيمة مضافة عالية.
رابعًا: العقبات التي تعوق الانطلاقة
رغم الإمكانات الواعدة، هناك تحديات تتطلب مواجهة حازمة:
– البيروقراطية وتعقيدات إصدار التراخيص.
– عدم استقرار السياسات الجمركية والضريبية.
– ضعف البنية الرقمية والتكنولوجية في المصانع.
– محدودية التمويل الميسر للصناعات الصغيرة والمتوسطة.
خامسًا: من التجارب نتعلّم
1. فيتنام: استقطبت استثمارات ضخمة بفضل بنية تحتية مدروسة، حوافز واضحة، وسوق عمل فعال.
2. المغرب: استطاعت أن تتحول إلى مركز صناعي إفريقي في السيارات والطائرات بفضل رؤية واضحة واتفاقيات قوية.
الخاتمة: لحظة مصرية نادرة
في زمن تعيد فيه القوى الكبرى تشكيل أولوياتها الصناعية والتجارية، تقف مصر أمام لحظة نادرة لإعادة التموضع. هذه ليست مجرد فرصة اقتصادية، بل اختبار لقدرة الدولة على تبني إصلاحات حقيقية، وصياغة رؤية صناعية شاملة.
إذا ما أحسنت مصر استغلال هذه اللحظة عبر توطين الصناعات، إصلاح البيئة الاستثمارية، واستغلال شبكة الاتفاقيات التجارية، فقد لا تكون مجرد لاعب في سلاسل التجارة العالمية، بل مركزًا قياديًا في قلبها.
هذا التحليل خاص بالكاتب الصحفي أحمد سعد، المختص في الشؤون الدولية.